السينما والتوعية القانونية

جمانة الطراونة| قانونية وأديبة أردنية – مسقط
يدرك كلّ منا أهمية السينما وخطورة الدور الذي تقوم به في توجيه سلوك الأفراد ،وتعزيز قيمهم الإجتماعية والأخلاقية، فهي من أكثر الفنون فاعلية في تشكيل العقل البشري والتأثير به لكونها أداة ثقافية ومعرفية، يمكن توجيهها كوسيلة للإرشاد والتنوير الثقافي، لما لها من قوة في القدرة على التغييروإحداث الفرق ، يقول (ستانلي كوبرك): “إن مهمة السينما إعادة تشكيل الواقع المحيط وليس خلق واقع جديد” .فهي أيسروأسرع الطرق في إيصال المعلومات والمعارف لتأثيرها على العقول،فلقطة سينمائية واحدة، ولو كانت صامتة غير متحركة،تعادل آلآف الكلمات المكتوبة .
ومما لاشك فيه أن السينما ساهمت بتشكيل الوعي القانوني وتوجيه الرأي العام بتناولها قضايا مجتمعية تمس كرامة الإنسان، وحريته، وحقّه في العيش الكريم، قضايا غفلت التشريعات عن معالجتها،فدفعت أصحاب القرار بتغيير هذه القوانين وتعديلها بما يتناسب مع متطلبات العصر، فلا يعقل أن يطبق قانون صدر في فترة سابقة استنادا إلى واقع يتناسب مع الزمن الذي صدر به على الوقت الحاضر، وهناك الكثير من الأمثلة عن أفلام عربية ساهمت بتغييرالكثير من القوانين المجحفة من خلال تسليط الضوء على قضايا تمس المجتمع مثل فلم (أريد حلا) عام 1975 بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة الذي تم تعديل قانون الأحوال الشخصية على إثره فيما يخص حق المرأة بتقرير مصيرها، والحصول على حريتها واعطائها حق تقرير مصيرها بالإنفصال عن زوجها،وفلم (جعلوني مجرما)عام 1954 بطولة: فريد شوقي وهدى سلطان الذي صدر على إثره أيضا قانون ينصّ على شطب السابقة الجرمية الأولى للجرم الذي يرتكبه الشخص حتى يتسنى له بداية حياته من جديد دون أية عوائق، ومن السينما العالمية فلم (حفرة الأفعى) الذي أسهم في لفت انتباه ( 26 ) ولاية أمريكية لإصدار تشريعات قانونية توفّر علاجاأفضل وإهتماما بمن يصابون بالأمراض النفسية، وتحسين الظروف المحيطة بهم صحيا، وفلم (روزيتا) الذي سلّط الضوء على معاناة المراهقين في البحث عن عمل وعلى الأجور البسيطة التي كانوا يحصلون عليها لقاء ذلك العمل ليصار بعد ذلك إلى تعديل قانون العمل بما يخص ذلك في بلجيكا فيما بعد .
ليس هذا وحسب، فقد قامت السينما بدورها في المحافظة على البيئة وزيادة الوعي بقضايا التلوث من خلال أفلام تناولت التلوث البيئي مثل فلم(ايرين بروكوفيتش) بطولة (جوليا روبرتس) استندت أحداثه على قصة حقيقية لامرأة وقعت يدها على وثائق تثبت تسبب شركة كبرى تعمل في مجال الطاقة بتلوث مياه الشرب في بلدتها انتهت بإقامة دعوى قضائية ضد الشركة ، ومن الأفلام التي تناولت القضايا البيئية فلم (مايكل كلايتون ) لــ (جورج كلوني) وفلم (دعوى مدنية) لــ (جون ترافولتا).
وبذلك لم تعد السينما علاقة بين طرفين هما: المشاهد الذي يبحث عن المتعة، والترفيه، وصنّاع الأفلام الذين يعنيهم شبّاك التذاكر والربح المادي،إنما خرجت إلى أبعد من ذلك لتقوم بمهماتها الجليلة في تشكيل الوعي لدى المجتمع وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية والبيئية،والخروج بحلول من خلال التاثير على الرأي العام الذي يمارس دوره بتشكيل قوى ضاغطة على أصحاب القرار للتغيير للأفضل.




