قبل تشكيل  الحكومة اللبنانية أو عدم تشكيلها 

توفيق شومان | مفكر وخبير سياسي لبناني

قبل الانهيار المالي والإقتصادي في صيف عام 2019، أجمع المسؤولون اللبنانيون على أن الدولة اللبنانية ذاهبة نحو الإنهيار، ولم يصدف، أن مسؤولا لبنانيا ناقض أو عارض مسؤولا آخر وقال: إن لبنان لن يهوي ولن ينهار، أوليس  الأمر غريبا وعجيبا؟

الرجوع إلى مواقف أهل السياسة ستكون الحصيلة على هذا الشكل وعلى هذا المضمون:

ـ كل فريق يتهم شركاءه في السلطة بالإفساد والإفشال.

ـ  كل فريق يؤثم جلساءه في الحُكم بالتعطيل والتبطيل.

ـ كل فريق يجرم زملاءه في المُلك بالسلب والنهب.

عرًت الطبقة السياسية اللبنانية نفسها وجردت حالها من كل أثرمعنوي “فنزلت  من عيون الناس”، وباتت حالها  في نظرة  الناس إليها  كما يصفها الشاعر :

وأقبح شيء أن يرى المرء نفسه

رفيعا وعند العالمين وضيعُ.

ولما كانت لغة السوقة والرذالة هي اللغة الرائجة والدارجة بين أهل السياسة في مرحلة ما قبل  “رذالة” بعض الحراك الشعبي، فقد استعار “أهل الشارع “لغة” أهل السياسة وأكسبوها “قيمة رذالة مضافة”.

أول ما أسقط أهل السياسة نظام اللغة، وأول ما فعلوه أنهم أفسدوا اللغة وأفقدوها معانيها وحصروا مفرداتها بالسُباب والإتهام .

تاريخيا.. أول من انتبه إلى مخاطر فساد اللغة، الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، ويقول في ذلك: “إذا فسدت اللغة فسدت الأخلاق  وفساد الأخلاق من فساد العقول”، ويضيف: جملة واحدة  تفصل بين العاقل والجاهل: العاقل من يمسك لسانه. 

لم يُمسك المسؤولون ألسنتهم، طالت كثيرا، حتى وصلت إلى ألسنة “الجمهور”، فبات الجمهور لا يعرف إلا أن يسب وإلا أن يتهم.

هذه عبرة يرويها كونفوشيوس أيضا: “كان ملك  الصين يردد دائما: لقد حرمت أهلي وأقربائي وعشيريتي وفضلت عليهم أهل الأخلاق  والفضل والتقوى”. 

كم مسؤول لبناني لم يفضل أهله وعشيرته والأقربين؟

ندرة  وقلة، من أهل الحكم والسياسة  حادت عن قناعة شاذة وبشعة  تقول إن طريق السلطة طريق الثروة، والسلطة تسلط، والحكم استحكام، والقرار استئثار، والإستئثار يكون بالثروة والوراثة والسياسة.

هذه قصة أخرى يرويها الفيسلوف الفرنسي مونتسكيو في كتابه :- “تأملات في تاريخ الرومان”: 

“رأى الملك زوجته  تملأ السفينة الملكية بالبضائع الثمينة والمصنوعات الفاخرة والمشغولات النادرة فصرخ بها قائلا: ما عساك فاعلة؟ فقالت: كما يفعل أصدقاؤنا التجار، فصاح بها وزمجر: أنا ملك وأنت جعلتيني تاجرا .

في قصة مونتسكيو حكمة جليلة: الملك يسوس ولا يتاجر.

في لبنان، ما عاد أهله يعرفون الفارق بين الحاكم والتاجر، ولا بين التجارة والسياسة، وجل ما أضحى اللبنانيون يعرفونه أن أهل السياسة هم أهل  المال، وكأن بهم سلكوا طريق “التعارض العظيم” مع ما يقوله الفيلسوف جان جاك روسو:  

 “ينبغي أن يكون الشغل الشاغل للحكومات العمل على عدم حصول تفاوت مفرط بين الثروات، ليس بإنتزاع الثروات من أصحابها، إنما بمنع وسائل تكديسها “.   

أفتونا يا أولي الألباب.. يصرخ اللبنانيون: أفتونا.

 من القصص التي يرويها اللبنانيون عن أهل السياسة عدم معرفتهم الفارق بين الموالاة وبين المعارضة، وبين صلاحيات الرئاسة الأولى والرئاسة الثالثة، وبين الأعراف والدستور، وبين الوزير ورئيس الوزراء، وبين التضامن الحكومي والتلاعن الحكومي، وبين الشراكة والمحاصصة، وبين القرارات والصفقات، وكل هذا الخلط يولد السؤال الكبير و الجسيم:

أين النظام السياسي في لبنان؟ ما شكله وما تعريفه؟ أهو رئاسي أم برلماني؟ ما حدود وصلاحيات الوزير؟ ما حدود وصلاحيات الرئاسات؟ أهو نظام قبل الطائف أم نظام بعد الطائف؟ أم ليس من الإثنين؟  أو أنه من الإثنين؟

لم يعد للقواعد معنى.. هل يوجد لبناني واحد يستطيع أي يحدد ما هي قواعد الحكم في لبنان؟

من قصص أهل السياسة أنهم يقولون إن دستور النظام لايطبقه أهل النظام، ومن شواهد ذلك: عدم معرفة من يشكل الحكومة وكيف تتشكل، والسلطات اللبنانية تعتمد قاعدة التقاتل بين السلطات بدل قاعدة التعاون بينها، ولا يتم التوظيف بالكفاءة والجدارة كما ينص الدستور، ولا يمثل النائب “الأمة جمعاء” ولم يتشكل مجلس للشيوخ  ينظر في  “القضايا  المصيرية”  ولا هيئة لإلغاء الطائفية السياسية، ولا مجلس أعلى لمحاكمة  الرؤساء والوزراء، ولا … ولا … الخ. 

ماذا يبقى من الدستور والدستور هو قاعدة الحُكم؟ وإذا انتفت القاعدة أي نظام يبقى؟ من يحل هذا اللغز؟

يروي أهل السياسة عن أهل السياسة أنهم أسقطوا النظام السياسي  اللبناني  وأنشأوا مكانه  تحالف  رجال المال ورجال السياسة (أين رجال الدولة؟)  وهذا التحالف ـ المنظومة دفع لبنان إلى مشهد الخراب  “الطليعي” في العالم ، مشرقا ومغربا . 

منظومة المال والسياسة  لا تؤمن أصلا بالنظام، ولا بأي نظام ، فللنظام قواعده، وهي جهدت على التفلت من كل القواعد حتى انهارت وأسقطت النظام  معها.  

هذه المنظومة لا عمل لها سوى البذخ وتمجيد نفسها والفخر بحالها..عنها يقول الفيلسوف جان جاك روسو: “لايمكن أن يجتمع البذخ والمجد في نفس واحدة”. وحين يتكلم الفلاسفة يسكت الآخرون.

عشتم وعاش لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى