جنين غراد

محمد حسين | كاتب فلسطيني – دمشق

يتربع قوق تلة من التاريخ، يعزف ألحاناً للطيور المهاجرة فترقض على أكف ينابيعه، في الصباح يصافح سهل مرج أبن عامر يسأله عن برتقال الكرمل ورائحة الزيزفون، يقدم له مفتاتيح البيوت ويستلقي على كتف وادي الجدي، يشرب قهوته،يفتح جعبته، يناغي أوراقه وصور البيوت وحكايا الجدات ؛لن تكسركم انكسارات الزمن الطويل ستبقون معي ننتظر العناق،
لم يتعب يوماً رغم قساوة منشار الحياة، هو أصل حكاية لم تنتهِ بعد رغم محاولات الأقلام الصفراء لتوقيع نهايتها.
في الأول من نيسان كان على موعد مختلف لم تكن كذبة التي أخبره إياها راعي الأغنام في وادي الجدي نهض على قدميه شاهد الأدخنة بدأ صوت هدير الطائرات يقترب رويداً رويداً، صرخ بأعلى صوته أين أنتم يا شباب؟
أنهم قادمون هذه فرصتكم، سأكون معكم بلحمي بأضلعي أزقتي ستحميكم أشجار الزيتون تفتح ذراعيها لكم،
أين أنتم؟
كان صوته يشق هدوء الفجر يضرب صداه عنق الريح ( أنا يوسف ريحان أبو جندل معك )
صوت آخر يتهدج( أنا محمود طوالبه معك لن اخذلك )
زياد العامر (أنا هنا أعد ما تيسر لي من العبوات لاستقبالهم )
بدأت أصوات الانفجارات في كل زاوية من زواياه الجرافات العمالقة تقضم أقدام المخيم تريد أن تقبض على قلبه النابض لكن هيهات أبو جندل ورفاقه كانوا لهم بالمرصاد.
صراخ الأطفال ينطلق من كل الاتجاهات يمتزج مع زغاريد النسوة،
أبوجندل: علينا يا شباب أن نؤمن طريقاً آمناً لخروج الأطفال والنسوة أنهم يضغطون علينا بوجودهم بيننا…
محمود سآخذ مجموعة من الشباب ونحاول فتح ممر آمن من الجهة الغربية..
أبوجندل ؛ أنا سأشاغلهم في بقية الأطراف على بركة الله..
بعد أسبوع من المواجهات البطولية من زواية لأخرى ومن بيت إلى آخر ..
محمود: بدا الطعام والماء والذخيرة تنفذ يا أبا جندل..
أبو جندل: سنقاتلهم بأسناننا لن نستسلم…
محمود: لقد تم تدمير أجزاء واسعة من المخيم ونحن في المربع الأخير منه..
أبو جندل: كل العيون والقلوب والسهول والأشجار ينظرون إلينا لن نخذلهم..
في ساعات الفجر الأولى امرأة تنادي على أبي جندل باسمه من خلف بيت مهدم (يما يوسف تعال لعندي) يهرع أبو جندل نحوها تأخذه بالأحضان( اسمع يما اشلح بدلتك العسكرية أنت ورفقاتك وأنا بجيبلكون لباس نسوان تتخفوا فيو وتطلعوا معانا أنا ما بدي إياكم تموتون).
أبو جندل: ( شكراً لك يما أنا مقدّر شعورك وخوفك علينا بس يما لازم تعرفين مافي فلسطيني بهرب وبستسلم أمام العدو نسيتي يما إحنا أحفاد عزالدين القسام وعبد القادر الحسيني وعطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم ما استسلموا راحوا على الموت مبتسمين ).
المرأة : ( ما نسيت يما أنا راح أظل معاكم ما بدي أطلع روحي مو أغلى من أرواحهم )
تظهر شهقات النهار الأولى من صدر الأزقة الغافية على زند بعضها بعد أن نهشت لحملها صواريخ الطائرات يتفقد أبو جندل من تبقى معه من رفاقه …
زياد العامر : أبو جندل لم يبقَ بحوزتنا ذخيرة لقد نفذت تماماً ماذا سنفعل؟
أبو جندل: وأنا كذلك لديَّ بضع رصاصات اسمعوا يا شباب سنقاتلهم بالسلاح الأبيض لن يمروا…
في الحادي عشر من نيسان تتقدم قوة إسرائيلية باتجاه أبا جندل ورفاقه يطلق ما تبقى معه من رصاصات عليهم ويقف شامخاً في وجههم عندها أدرك قائد القوة الإسرائيلية أن أبا جندل قد نفذت ذخيرة فأعطى الجنود أمراً بإطلاق الرصاص عليه ، سقط أبو جندل مضرجاً بدمائه لكن الفكرة لم تسقط….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى