السورة النيسانية

أحمد برقاوي |مفكر وأديب عربي
نيسان يدق باب مدينتي
فتهرع كل أحوالي
بكامل نشاطها اللعوب
مدينتي المسكونة بكل تناقضات وجودي
بالأحياء وبالأموات
بالأفكار الهامدة والأفكار الوليدة
بالعواطف السامية
وآلام القهر المُدمي
بأجنحتي
بكل فصول العمر وأحوالها
بالأصدقاء
والأشباه
كل سكان مدينتي هرعوا لاستقبالك يا نيسان
وأنت بكل زهوك ودهائك
جئتني لتملي علي القصيدة
لقد جنت لغتي من أحوالي يا فارس الشهور .
قلبي الذي يفيض بالحب
أحرقته القذائف
قلمي الذي كتب أسفار الوجود
أدماه الأغتراب
وعقلي السابح في الماوراء
يعود إلى أرض قفر
كبريائي الذي ألهم نفسي الإقامة في العلى
يكبت دمعه العزيز
عيوني المسكونة بصور الجمال
تغمض جفنيها كي لا ترى أشلاء الحياة
ذاكرتي التي تختزن الأخضر
يستيقظ فيها الذئب مرة أخرى
نيسان يا من تدق بابي للمرة السبعين
دماء لغتي تنداح على الورق.
أنا المدينة المزهوة بأزهارها
والعشب يتعربش على شبابيكها
وبجداولها التي يغني خريرها
أنشودة الولادة كل صباح
يا نيسان الهامة
جئت لتعيدني في أسر ي
وتحمل لي كأس الحياة معاتباً:
أمن دماك انفجرت براكين
اللغة الغاضبة
ألست أنت القائل :
ذو الشرى أنا يا عشتار
أولم تحملك عشتار على جناحيها
إلى فضاء الكينونة التي أردت
وأحببت؟
بلى
ولكن الطعنات تدمي قلب الريشة
يا نيسان
والأرض صارت ضيقة على خطاي
والفضاء ما عاد يتسع لجناحي
ونقائض الأرضين تطعن العقل
وكبد العواطف
سمعي ما عاد يطيق ثغاء سكان الحظائر
ولا خوارهم
والمعتدون على أبولو
فقدوا كل حياء
ويقولون الطوبا خيال العاجزين
والمولعين بالنهايات يحتلون المسرح
وصناديق الأجوبة تختال على المنابر
والقلوب المقموعة تتسلل بالخفاء لتلتقي
مدني:
دمشق وبغداد والقدس
أسيرة يا شهر الحياة
كسرى وقيصر يلعبون النرد
على جثثها
ويوزعون دروع أبي القروح على المستنجدين
وطرفة ابن العبد لا يدري بأنه ذاهب لحتفه
ولا احد يبكي أطلال فاطم وخولة
أعتذر يا نيساني
وأنت ادرى بي
أنا لا أخاطب الأموات
فالأموات لا يسمعون
ولا أكتب لهم
فهم لا يقرؤون
ولا أحن إليهم
فهم لا يرجعون
لكن أخبر لوقيانوس
بأن مسامرات أمواته مسامرات أحياء هذا العصر
نيسان سأرفع كأس النبيذ
ولو كان مراً
وأحتفل بأشجارك الخضراء
وأزهارك
وبالنسائم التي تحكي قصة نوافذ العشاق
وبالولادة
وقل لباخوس بأني لن أنكث بوعدي له أبداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى