ثقافة ضد الريجيم !
علي جبار عطية|كاتب عراقي
رئيس تحرير جريدة أوروك
حوَّر مؤسس موقع (العظامة) على (الفيس بوك) عجزَ بيت المتنبي الشهير (وخيرُ جليسٍ في الزمان كتاب) ليجعله (وخيرُ جليسٍ في الزمان كباب)، ويرى أنَّ الأكل سر السعادة !
يتابع هذا الموقع الذي يخلط الجد بالهزل أكثر من ٦٣٩ ألف متابع منذ إنشائه في ٢٠١٥/٣/١٩، ربما لأنَّه يلبي حاجاتهم في رؤية المأكولات،فشعارهم (دلل بطنك وريح عقلك) وكذلك في النقد والسخرية اللاذعة !
في أحد المنشورات نقرأ :
يقول الشاعر خليل بطي:
ويل لأمة تركت كتب علي الوردي
و التهت بالقوازي و بصواني المندي !
يُطلق مصطلح العظامة في المجتمع العراقي تعبيراً عن الأشخاص الذين يحرصون على حضور الولائم في الأفراح والأتراح بدعوةٍ من القائمين، ومن دون دعوة أيضاً، ويكون هدفهم الرئيس التهام أكبر كمية من الطعام خاصة اللحوم ولا يتركونها إلا عظاماً ولعلَّ تسميتهم بالعظامة جاءت من هنا !
يظن بعض الباحثين أنَّ هذه الظاهرة برزت في العراق بعد سنة التغيير النيساني ٢٠٠٣م،، والتفاوتات الاجتماعية والطبقية الكبيرة وهم واهمون في ذلك فالعظامة موجودون قبل التغيير بعقود، وإنْ اختلفت التسمية فالعبرة بالمحتوى !
بالعودة إلى التراث نجد ظاهرة العظامة موجودة بشخصيات طفيلية لعلَّ من أشهرهم (أشعب بن جبير) الذي يكنى بـ(ملك الطفيليين) (٦٣٠م ـ ٧٧١م) وهو من الشخصيات الظريفة،وقد ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه، والذهبي في السير، والميداني في (أمثال العرب) فقال (أطمع من أشعب) وقد عاصر عدداً من الخلفاء العباسيين منهم المهدي والمنصور، وقد قيل لأشعب: هل رأيتَ أطمعَ منك؟
قال: نعم، شاةٌ لي صعدت في السطح فنظرت إلى قوس قزح، فظنّته حبلَ قتّ (قصب النبات الطرية) فطمعت في تناوله، فسقطت، فاندقّ عنقها !
تقدم مسابقات تحطيم الأرقام القياسية بالتهام الطعام دليلاً على عجز العلماء في اقناع الناس بضرورة التثقيف الغذائي السليم وبالعادات الغذائية الصحية ضماناً لصحة الجسم والعقل، وطول العمر !
ومع كل التطور المعلوماتي فما تزال مسابقات الطعام مستمرة، ومازال الراغبون بتحقيق أرقام قياسية يدخلون بها موسوعة جينيس لا يعبأون بالتحذيرات الطبية الخطيرة لأنَّ التقسيم القديم للفقر والغنى لم يعد واضحاً في الطعام فالفقراء كانوا يتناولون الحبوب أما الأغنياء فيتناولون اللحوم لكنَّ العولمة كسرت هذه الحواجز لذا فصارت السمنة مرضاً يصيب الجميع، وحسب موقع Medtronic الإلكتروني فإنَّ
مسببات السمنة لا تقتصر على الطعام غير الصحي، بل تتفاعل الخيارات المتعلقة بنمط الحياة مع الحساسيات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية الفريدة لشخص معرَّض للإصابة بالسمنة، فينتج عن ذلك إصابته بها، لذا تختلف أسباب السمنة من شخص لآخر. ولا يستطيع الشخص المصاب بالسمنة السيطرة على معظم هذه الأسباب.
ويسترسل كاتب الموضوع في ذكر الآثار السلبية للسمنة على الصحة الجسدية
من بينها ارتفاع ضغط الدم، و الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، فضلاً عن التأثير السلبي على الصحة النفسية وزيادة معدلات الاكتئاب أو القلق في الغالب نتيجة الوصمة المحيطة بهذا المرض، وشعور المصاب بالسمنة بالخزي، والذنب، والرفض، وتدني احترام الذات،والتأثير على الصحة العقلية والرفاهية الاجتماعية !
ورد عن النبي محمّد صلى الله عليه وآله (المعدة بيت الداء ، والحِمْـيَة رأس كل دواء ، وأعطِ كلَّ بدنٍ ما عُـوِّد).
إنَّ الإنسان هو المخلوق الأرضي الوحيد الذي يطبخ طعامه، ومن هنا ندرك أهمية ثقافة الطبخ التي ألفت فيها عشرات الكتب منها كتاب الأديبة والباحثة بلقيس شرارة الموسوم بـ(الطباخ؛ دوره في حضارة الإنسان: التطور التاريخي والسوسيولوجي للطبخ وآداب المائدة) /٢٠١٢
ليس من الحظ أن تكون المطاعم في العراق أكثر المشاريع الاقتصادية الناجحة والمربحة فهي تلبي أكثر الحاجات الإنسانية إلحاحاً بغض النظر عن جودة ما تطبخه وتقدمه أو كونها تعمل ضد الريجيم فالجوع لا يرحم لكنَّ الإسراف في الطعام يجلب المزيد من الأمراض، والحكمة تقول : (درهم وقاية خير من قنطار علاج) .
يا ترى هل ينطبق ذلك على الإسراف في قراءة الكثير من الكتب التي تسبب في ما بعد أوراماً ثقافيةً !