أدب

قراءات نقدية في رواية خيار العودة، للأديب اليمني عبدالغني المخلافي

شارك فيها نخبة من النقاد على منصة المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح

صبري يوسف| ستوكهولم
أديب وتشكيلي سوري 

         أطلق الرِّوائي على روايته عنوان: (خيار العودة، يوميات أديب). وقد أهدى الرِّواية إلى أستاذه يحي الأحمدي وإلى بعض الأصدقاء الأوفياء، وفي استهلال الرِّواية وقبل المدخل أشار الرِّوائي إلى أنَّ “الكتابة: درب المجانين الوعر، إذا لم تكُنْ مجنوناً فلا تجرِّب الخوض فيه”. ويطالبُ مَنْ يخوضُ في مضمار الكتابة: “الإهتمام بتنمية وعيه وتحصينه التَّحصين الجيّد من فيروس الجهل، وفقدان الُّرؤية والوقوع في مستنقعات التخلُّف”. ويفتتح الرِّواية بـ تمهيد، مشيراً عبرَ تمهيدِهِ إلى أهمّية الصَّداقة ونبلها، ثم يبدأ بعرض مدخل الرواية، ويتخلَّل المدخل نص شعري على القافية الرَّائيّة، يبدو وكأنّه موزون على التفعيلة، والسُّؤال لماذا جاءَتْ قوافيه مجرورةً مرّةً، ومنصوبةً مرّةً ومرفوعةً مرّةً أخرى، وكان عليه التَّقيد بصيغةٍ مشتركةٍ موحَّدةٍ لجميع القوافي، في الرَّفعِ أو الجرِّ ..!
قسّم الرِّوائي القسم الأوَّل من الرّواية إلى ترقيمات 1 – 14، كانت أشبه ما تكون فصول لهذا القسم، لكن لم يكُن هناك انفصال أو استقلاليّة لكلِّ رقم أو فصل، حيث جاء عرض هذه الأرقام، كأنّهُ نصٌّ واحد فقط قام بترقيمه، فالترقيم لم يكُنْ متقطعاً بحسب ما جاء فيه من أفكار في سياقّ كلِّ رقمٍ من هذهِ الأرقام!
تضمَّنَ القسم الأوَّل من الرِّواية فضاءً سرديَّاً، محبوكاً بأسلوب مُشوَّق، وقَدْ تعرَّضَ بطلُ الرِّواية إلى ظروفٍ صعبة في السُّعوديّة بعدَ أنْ اشتغل فيها 22عامًا وأرادَ العودةَ إلى اليمن من حيث جاءَ، لكنَّه لم يتمكَّنْ مِنَ العودةِ بشكلٍ نظامي، لأنَّ عودتَهُ بطريقةٍ نظاميّةٍ تكلِّفُهُ الكثير من المصاريفِ، وكان يُصعبُ عليه دفع هذه المصاريف، فلم يكُنْ أمامه إلّا العودة عن طريق التَّهريب، وتمكَّن َالرّوائي عبرَ رحلةِ العودة أنْ يغوصَ في بناءِ الفضاءِ الرِّوائي، فجاءَ الأسلوبُ متماسكاً في سردِهِ وحواره وتفاصيل المغامرة الّتي قام فيها، وقد كتبَ الرّوائي هذا العمل من وحي تجربته الشَّخصيّة الّتي مرَّ فيها، لهذا أطلق عليها: “خيار العودة، يوميات أديب”، فجاءتْ هذه اليوميات محمَّلةً بالعذابِ والتّعبِ والكثيرِ مِنَ المعاناةِ والظُّروفِ القاسية وكأنّهُ في سياقِ مغامرةٍ فريدةٍ من نوعِها، وكل جرمه أنّه يُريدُ العودةَ إلى وطنِهِ الأم اليمن، بعدَ أنْ تراكمَتْ عليه الدِّيون ولَمْ يكُنْ بوسعِهِ إيجاد فرصة عمل لَهُ، كما لم يتمكَّنْ مِنْ دفعِ المستحقَّاتِ الَّتي عليهِ مِنْ خلالِ تراكمِ الدِّيونِ والضَّرائبِ والكثيرِ من المشاكلِ الَّتي عانى منها ولم يكُنْ بمقدورِهِ الاستمرارَ في العيشِ في السُّعوديّة ولم يجِدْ من يكفله بالبقاء وإيجادِ فرصةِ عملٍ، فما كان أمامه إلّا عبورَ الحدودِ عن طريق المهرّبين، علماً أنَّ التَّهريب عادةً كان يتمُّ مِنَ اليمنِ إلى السُّعودية، وليس من السُّعويديّة إلى اليمن، وهذه مفارقة أرادَ أن يعبِّرَ عنها الرِّوائي، بلغةٍ سلسةٍ وقد صاغها بإيقاعٍ سرديٍّ مُشوَقٍ، فيه الكثير من المفاجآتِ، وتشابكاتِ الأحداثِ، الَّتي كانت مناسبةً أن تكون مشاهد سينمائيّة، لما فيها من تشويقٍ، خلال عبورهِ الهضابِ والجبالِ، والطُّرقِ الوعرةِ، وجاءَ الحوارُ في فضاءَاتِ السَّردِ، بين شخصيَّاتِ الرِّوايةِ في قسمها الأوَّل، متماسكاً، وتمكَّن الرِّوائيُّ الإمساكَ بخيوطِ الأحداثِ إلى أنْ وصلَ إلى داخلِ حُدودِ اليمنِ!
وفي “القسم الثَّاني يوميات”، كتب الرِّوائيُّ هذا القسم بعد عودتِهِ إلى اليمن، بأسلوب يوميَّات كما عنونَهُ، وشعرَ أنَّهُ يعيشُ في غربةٍ أخرى وهو فوقَ أرضِ وطنِهِ، وكأنّهُ ينتقدُ واقعَ الحالِ الَّذي يعيشُهُ المواطنُ في وطنِهِ، وفي أوطان الجوارِ، حيثُ الظُّروفُ الصَّعبةُ تلاحقُهُ في وطنِهِ وفي أوطانِ الجوارِ، فيراودُهُ: أينَ المفرُّ مِنْ هذهِ الظُّروفِ القاهرة الَّتي تلاحقُهُ أينما كان، حيثُ يقولُ في أحدِ المقاطع: “بعد عودتي وبقائي فيهِ، لمسْتُ فجوةً كبيرةً بيني وبينَ واقعي ومحيطي، سرتُ غريباً عنهما، لَمْ أعِشْ في تفاصيلهما، لكن لجأتُ إلى العزلة”. ويتابعُ قائلاً: “القرية ليستْ المكانُ المناسبُ لمناخي الإبداعي” و”الكتابة تدخلُ إلى قلبي السُّرور”.
في القسم الثَّاني، يوميات، لم يكُّن هناكَ ارتباطٌ ما بينَ هذا القسمِ والقسمِ الأوَّلِ مِنَ الرِّوايةِ، الَّذي تضمَّنَ من 14 فقرة، سرديّة، كانَتْ هذهِ الفقراتُ متناغمةً في سياقِ سردِها وفي تداخلاتِ حوارِها وفضاءاتِها في البوحِ، وأكَّدَ الرِّوائي بنفسِهِ في القسم الثّاني، يوميات قائلاً: “ها أنذا وسط تيّار الكتابة المتشعِّب، أذهبُ إلى اليمينِ أحياناً، وأحياناً إلى الشِّمالِ، وأعودُ إلى الخلفِ تارةً، وثمّة أصواتُ الأبناءِ تخرجني عَنْ مساري المرسوم”. وهذا الاستشهادُ في الكلامِ اعترافٌ مِنَ الكاتبِ على أنَّهُ غير مرتاح لا في يومياتِهِ ولا في سردِهِ، وكتاباتِهِ، بعدَ أنْ حلَّ بهِ الرِّحالُ في الوطنِ الأم، فقد طغى على القسمِ الثّاني فضاءُ عرضِ الأفكارِ وتدوينِ المذكَّراتِ أو اليوميّاتِ، وجاءَتْ في سياقِ التأمُّلاتِ، وعرضِ رؤى وأفكارٍ معيّنةٍ وهذا الأسلوبُ أقربُ مِنْ فضاءِ المقالاتِ الفكريّةِ، منهُ إلى السَّردِ الرِّوائي، لأنَّ خيطَ السَّردِ يتقطَّعُ، ويصبحُ النَّصُّ عرضاً لبعض الأفكارِ، وقد تخلَّلَ الرواية بعضُ المقاطعِ الشِّعريّةِ، كانت انبعاثاتٌ لتجلِّياتٍ مُعيّنة، شعرَ بها الكاتبُ وعبّرَ عنها شعريّاً. وكانَ مِنَ الأجدى بِهِ أنْ يربطَ يوميَّاتِهِ بالقسمِ الأوَّلِ مِنَ الرِّوايةِ بطريقةٍ أو بأخرى، ويقومُ بعمليّةِ الفلاش باك، بالعودةِ إلى بعضِ الأحداثِ الّتي حصلَتْ معَهُ في السُّعوديّة وربطِها بما هو عليهِ في الوطنِ الأم كي يتمَّ ربطُ فضاءَاتِ العملِ الرِّوائيِّ معَ بعضها بعضاً، وكي لا يبقى القسمُ الثَّاني مُنفصلاً بشكلٍ نهائيٍّ عن القسمِ الأوَّلِ من الرِّوايةِ، وكان بإمكانِهِ عبرَ سياقاتِ السَّرد الأوَّل، وحتَّى في القسم الثَّاني أن يسقطَ الكثيرَ مِنَ التَّرميزاتِ والمعاني والأفكارِ الَّتي يدلِّلُ عليها مِنْ خلالِ عذاباتِهِ في المرحلةِ الأولى والثّانيةِ، مَعَ هذا لم يقُمْ بإدخالِ أيَّة ترمزياتٍ ولا اسقاطات فكريّة ورمزيّة، لأنّهُ لو استخدم ترمزياتٍ معيَّنةً كانَ بوسعِهِ خلقَ تشابكاتٍ وتداخلاتٍ في فضاءِ الرِّوايةِ في المرحلة الأولى والثّانية، واكتفى بعرضِ يومياتِهِ في المرحلةِ الأولى والثانية، لكنّهُ في القسم الأوَّلِ كان بارعاً في عرضِ سردِهِ بطريقةٍ محكمةٍ وبلغةٍ سرديَّةٍ بارعةٍ، أمَّا في القسم الثَّاني ابتعدَ عن رشاقةِ القصِّ، والسَّردِ، والحدَثِ والفضاءِ المتناسقِ مَعَ عالم السَّردِ الرِّوائي، بل كانَ غائصاً في يوميَّاتِهِ وكأنَّهُ يكتبُ كتاباً حولَ يوميَّاتِهِ وليس عملاً روائيَّاً، ولا يمنع وهو يكتبُ يوميّاتِهِ لكن لو صاغَها بطريقةٍ سرديَّةٍ حواريّةٍ بينَ شخصيّاتِ الرِّوايةِ لا أن يدوِّنُ فكرةً تلو الأخرى ويتبعدُ عَنْ فضاءِ السَّردِ الرِّوائيِّ يجعلُنا القولَ إنَّهُ فَقَدَ الخيطَ السَّرديَّ في القسم الثَّاني مَعَ أنَّ اللُّغةَ كانَتْ أدبيَّةً ورصينةً وعميقةً لكن بناء اللّغة ما كان متناغماً معَ الخيطِ السَّردي المتعارفِ عليه في سيرِ الأحداثِ والحوارِ والخيالِ المتماهي مع تَخيُّلِ وقائعِ الأحداثِ. وقد نجح الرِّوائيُّ في نقل معاناتِهِ في القسمِ الأوَّلِ والثَّاني مِنَ الرِّوايةِ لكنَّهُ لم يتمكَنْ مِنَ المحافظةِ على رشاقةِ اللُّغة السَّرديَّةِ في القسم الثَّاني بينما كان بارعاً في القسم الأوَّلِ!
*. خبَّرني الأستاذ حميد عقبي أثناء توجيه الدعوة لي بتقديم مداخلة وقراءة للكتاب، على أنّه عمل روائي، ولم يخبِّرني على أنّه نص أدبي سردي، لهذا تناولت الكتاب كعمل روائي وليس كنصٍّ سردي محض، مع أنَّ الرِّواية بحدِّ ذاتها، أية رواية هي نصٌّ سرديُّ أيضاً. لذا أحببتُ التَّنويه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى