أدبترجمة

بعد ظهر هذا اليوم، اندلعت الحرب

بقلم: سيلفيا أكورا*
ترجمة: أسماء موسى عثمان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للغات بالمنصورة

    جميعنا، دون استثناء، كان لدينا رد فعل هستيري بعدم التصديق بأن الحرب قد اندلعت. ركضنا واختبأنا في أجزاء من المدينة لا يعرفها معظم الناس، خاصة أولئك الذين يطاردوننا، لكننا لم نتمكن من إدراك أن هذا كان يحدث بالفعل. كان هناك أشخاص وآلات تحاول جمعنا وذبحنا وإبادتنا جميعًا.
بعد الظهر كان لدي موعد مع أحدهم: لتوقيع عقد عمل، في أحد المطاعم مع مشروب جيد مناسب للمقابلة المنتظرة، لكن القنابل والألغام دمرت كل شيء، واشتعلت النيران في المباني وانهار كل شيء.
في تلك اللحظة فكرت في أختي، التي كان عليها أن تذهب لإحضار أطفالها من المدرسة بعد الظهر، وقد أوقفها الانفجار أو قُتلت في الشارع الذي كانت تسير فيه. كلنا، إلى الأبد، محاصرون في نوايا من يحاربنا، في مدينتنا الطبيعية المستقرة المسالمة.
كان علينا جميعاً أن نهرب ونبدأ بالركض ونجمع الأشياء القليلة المتبقية لدينا، كان هناك هجوم مفاجئ وعنيف علينا و لا أعرف سببه. لم يكن لديهم أي نية لترك أي شخص على قيد الحياة. لقد كنا جميعًا أهدافًا، وكان لابد من القضاء علينا وجعلنا نختفي من الوجود.
في مبنى مدرسة قديم، مهجور منذ قرون على ما يبدو، اختبأت تحت سلالم العلية الضيقة، وبين الحين والآخر، كنت أسمع أنينًا وأدركت أن هناك ناجين، لم أكن أعرفهم، لكنهم كانوا أغلى الكائنات الحية لأنهم بشر وكان الأمر يستحق التضحية بكل شيء من أجلهم, فحاولت حمايتهم وتضميد جراحهم . كانوا رجالاً ونساءً وشبابًا. ورأيت أيضًا بعض الأطفال ولكنهم قليلون، لأن ضعفهم جعلهم يسقطون أمام الآخرين، ولم يشفق عليهم أحد.
رأيت مراهقة، وجهها متسخ بالسخام والغبار، عالقة مثلي بين عوارض درج العليةو هناك جدران مهشمة، ودخان رهيب، يسبب الظلام ونحن في النهار (والآن أفكر: ماذا يخفون عنا في الليل؟ الهجمات الليلية ستكون أكثر فتكاً)، وبينما أفكر، تأكدت بأن هذه الفتاة بخير . هذه المراهقة مثلي، في الوضع نفسه، حيث رأيت الدهشة التامة تظهر في نظرتها وفي الأشياء التي تقولها، إنها لا تصدق أن كل هذا يحدث لنا.
لا أستطيع أن أصدق ذلك أيضًا. كان علي أن أفعل بعض الأشياء بعد ظهر هذا اليوم. فكرت في فيلم “الطريق الأصفر” والضوء الساطع، وغبار الصيف الخفيف، المتصاعد من الأرصفة. تسير أمامي امرأة، أمامي بعشر خطوات، وعلى يميني ينزل شخص الدرج المؤدي إلى “بلاتسو دي أوفيتشو”. وعلى طول الطريق يزداد الضوء، وكأن الضوء يجعل الأماكن أوضح. كان الأمر هكذا قبل الظهر هنا في مدينتي: ضوء الشمس الصيفي الساطع و اللطيف في الوقت نفسه، لقد اعتدنا فعل الأشياء بسلام وهدوء.
ثم سمعت الانفجارات الأولى ورأيت عمودًا رفيعًا من الدخان يتصاعد من الرصيف الأبيض بينما سقطت المرأة التي أمامي على الأرض مرتدية بدلتها، وملأت الأرض بدمائها. التفت بسرعة لأرى ما كان يحدث، وفجأة سقطت مطرقة ما (لم أفهم ما هي) بالقرب من خطواتي، مما أدى إلى تفتيت خرسانة الرصيف. أركض، وأسمع هسهسة الناقلات السريعة في الهواء، دون أن أفهم شيئًا. إنها الرابعة بعد الظهر وأفكر في أختي التي تذهب لاصطحاب أطفالها من المدرسة والشخص الذي يعمل معي في المكتب وكان لديه موعد عمل.
أفكر في الأشخاص النائمين، والذين في المستشفيات، والذين يمشون على الطرقات، و أولئك الذين يقرؤون كتابًا. أعتقد أنه لم يكن هناك توقع لهذه المجزرة، لهذه المذبحة التي لا معنى لها. ليس لدينا أعداء لنتعرف عليهم، لا يوجد أحد غيرنا، نحن محاصرون في المدينة ونتحدث مع بعضنا بعضاً بالإيماءات المعتادة، كما لو كان كل شيء طبيعيًا؛ لا أعرف كيف أفكر في هذا الهجوم المميت الذي لا يمكن تفسيره.

^^^^^

*سيلفيا أكّورّا
شاعرة وروائية ومصورة.أصدرت ثلاث مختارات شعرية هي “متسو فورتى” و”بيشى دي تيرا” ” اتشيتا نون نوسترا” “ومجموعتين قصصيتين هما “روسو نوكليارا” عام 2008 و”الانتروبيا” عام 2023.نشرت ثلاثية من الروايات ذات الطابع الياباني، وهي ” طوكيو لاف ” عام 2014، و”هيكاري” عام 2017، و”باريتي سوتيلي” عام 2019. كما شاركت في بعض المختارات الشعرية والسردية. أقامت معرضاً فردياً للتصوير الفوتوغرافي في عام 2006، ومعرضاً في عام 2010 وآخر في عام 2018. تعمل بشكل أساسي كمترجمة، ولكن أيضًا كمدرسة لغة. لقد عاشت في مدينة ميلانو منذ ولادتها عام 1969، و لكن قلبها يعيش في مكان آخر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى