مدينة لا تنام
بقلم: د. أسماء عبد اللطيف حمد – فلسطين
أترك اليوم قلمي يكتب ويعبر بكل سرور، لما سيرويه لكم، والخوض في التفاصيل الهامة لهذا الموضوع، وهو بعنوان مدينة لا تنام
لكلّ منّا وطن؛ ولكن مصر أمّ الدنيا، أغلى الأوطان وأعظمها، تتميز بحضارتها العريقة، تشعر في الحجارة أرواح، وفي الأبنية أنفاس، وفي جنبات المكان وحواشي الشوارع والحواري تاريخ حيّ، الحاضر فيه موصول بماضٍ بعيد، ستون شارعاً في قاهرة المعزّ وإسماعيل باشا وفي مصر القديمة وفي امتدادات الحداثة ، تطوف في داخلها وخارجها في قصور حكّام وبيوت ثوّار ومناضلين ودور عبادة، أناس بسطاء في ملامح معمارية وجماليات في البناء والهندسة.
شوارع القاهرة، هي ذاكرة أمتها بكلّ ما تحمله من دموع وابتسامات، ومن إنكسارات وانتصار باقية ما بقي التاريخ ، تعكس الروح الصاخبة التي لا تعرف النوم بما تضمه من مقاهٍ ومبانٍ وفنادق وأسواق كورنيش بموازاة نهر النيل، تستنشق نسمات الهواء المنعم، ولكن رغم الضجيج في بعض الشوارع، فأنت تشعر بالألفة والبسمة الشعبية التي تغلب على المجتمع المصري ، ورغم ما تقوله وتشعر به ترى أطفال ينضمون طفولتهم في شوارعها الصاخبة ، لقسوة ظروفهم في عالم لا يرحم ولا يسمع صرخاتهم .
أن يمضي طفل بعمر الزهور توفيت أمه وتركه والده في الشارع بثياب رثّة ، وعلى وجهه الطفولي غبار الأيام ، يتوسل الناس من لقمة عيش تسدّ جوعه، وتذرف عينه عندما يسأل لماذا أنت في الشارع، عن أيّ طفولة سنتحدث في هذا العالم ، هؤلاء الأطفال لقمة صائغة لأفواه ذئاب المخدرات والدّعارف وعمل السيرة بين الرعب والخوف، تركوا مقاعد الدراسة ودفء بيوتهم .
نراهم في كلّ شارع، فمن يكفلهم ويحميهم في ظلّ قسوة الحياة.. لما نلوم هؤلاء – حكايات لا تنتهي – مع كلّ محطة تأتي المآسي والشجون عالم أخرس يضطهدهم لضعفهم وقلة حيلتهم.. كبر أطفال الشوارع وغدا بعضهم مجرمين وقطاع طرق وتجار حرام .
تقول: شكراً للغرباء لطالما كانوا كالفوانيس يضيئون عتمة بلدنا، وهم لا ينتمون إلينا، ولكننا مع الوقت نشعر وكأنهم نحن الذين صرنا نرى فيهم الأسماء والأشياء والأصدقاء .