مقال

ملحمة تصور اصرار وسعي الإنسان نحو المعرفة الحقة بشتى السبل الممكنة في “خلف الحجب” لمريم هرموش

الكاتب المغربي إبراهيم مدران – نيس _ فرنسا

اكتب انطباعات أولية او بالأحرى ملاحظات لا تدخل في نطاق النقد الأدبي ولا تدعي ايضاً انها دراسة تحليلية تدخل في مجال التحليل النفسي الذي يقوم على تحليل النص الروائي وتفكيكه لاستخراج البنية اللا شعورية الكامنة خلف اللغة والرموز التي اشتغل عليها الكاتب بل هي فقط مجرد انطباعات لقارئ تستهويه قراءة النصوص الأدبية التي تعالج اشكاليات فلسفية عميقة تتعلق بوضعية الإنسان ووجوده في هذا العالم وما تطرحه هذه الوضعية من تساؤلات فلسفية تمس الكائن الإنساني مسا أعمق و لم يجد
بعد ،جوابا لها .
فما هي هذه الانطباعات أو الأفكار التي ينطوي عليها هذا العمل الأدبي
‏المتميز كما وصفته ؟

بادي دي بدء يبدو أن النص الروائي يدور حول رحلة غرائبية للذات الساردة عبر عوالم خيالية لانهائية حيث لا يحدها مكان ولا زمان ، وهي في ترحالها تبحث عن منبع المعرفة او الحقيقة .
فإذا كان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يضع وجوده موضع تساؤل كما يذهب الئ ذلك الفيلسوف الوجودي مارتن هيدغر ، و ان يبحث عن كنه وجوده ، فإنه والحالة هذه لابد ان يحمل في جوفه المعاناة والقلق .تقول الكاتبة على لساني أحد ابطالها :” الشعور بالغربة والاستيلاب في هذه الحياة أفسد علي سعادتي وشعرت بأني غريبة عن أهل قريتي الذين كانوا يحيون حياة بسيطة وهادئة ومع كل مو ت كانت تشهده قريتنا كان يصرخ صوت داخلي: ما الهدف من هذه السعادة اللحظية التي نعيشها! .لم افهم يوما لماذا كان يصر أهل القرية أن نتزوج وننجب ،! ألا يدركون بأننا لابد سنلقى مصيرنا المحتوم ؟ ما الغاية من كل هذا ؟ لم يكن يشغلني خوفي من الموت ، بل على العكس أردت أن أسابق الموت قبل أن يسبقني حتى أحرر نفسي من قبضته (صفحة 104 )

الروائية اللبنانية مريم هرموش

انها الكينونة التي تعبر عن مكنوناتها ، غير انه تجب الإشارة إلى أن هيدجر يتحدث الى جانب هذا الوجود عن نمط آخر لا يحيا هذا القلق ولا يعاني من حرقة السؤال . لذا يميز الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر بين وجودين : وجود روتيني ممل مزيف و خال من القلق والسؤال وهو الذي يحياه معظم الناس ويتصف باللامبالاة والاستسلام لأفكار الجماعة . ووجود حقيقي أصيل فيه تتسع الرؤية وتجمع مع عالمه علاقة الاهتمام .ولعل الكتابة أو فعل الكتابة كما يقول هذا الفيلسوف هو فعل إنصات للذات إذ من خلال الكتابة بواسطة اللغة نعبر عن الوجود المفعم بأسئلة الكينونة ، وهي أسئلة عميقة لا نستطيع البوح بها إلا بواسطة التعبير عنها بالكتابة ، وكما عبر عنها احد أساتذة الفلسفة :”…هنا يكون البوح صريحا حيث تنكشف صرختنا الوجودية عن حقيقتها، لحظتهايغدو البوح ممكنا عن عوالمنا النفسية : أحلامنا ،أحزاننا ..مواقف عاشها السارد .. صور لأحداث مضت تركت أثرا في وجداننا وخواطر الماضي تتحول إلى إبر توخز الذاكرة وحينها تنهار الكلمات كسيل جارف يأبى إلا ان يصرخ صرخة وجودية يعبر عن آلامه ،،أحزانه ، شهقات النفس الحزينة وجراح الماضي التي لا تلتئم إلا حين تستسلم للكتابة .” (انه البوح )بلغة هيدغر. 

وهذا ما نلاحظه انطلاقا من الصفحات الاولئ إذ ان هناك حقيقة واضحة تتجلى في كون الذات الساردة تصر ومنذ البداية على ركوب المجهول والبحث عن الحقيقة (الحب الضائع) الذي ربما رمزت اليه الكاتبة باسم شمس .
تقول الروائية على لسان بطلها :”..فمنذ ان وعيت على وجودي في القرية وكل ما اسمعه ليس اكثر من خرافات تروي لا أساس لصحّتها لكني لن اسلم مثلهم ،وسوف اسعئ الى اكتشاف كل ما نجهله عن تلك الحقائق الغائبة مهما كانت المشقات والصعاب ولن يكون لي هم غير ذلك ،فربما يكون هذا هو الجسر الذي اعبر من خلاله الى حبيبتي (شمس)..انها تسكن الروح والوجدان وحضورها لم يغب سوى عن المكان ..”
يستفاد من هذا ان الموقف الذي اتخذه الراوي من البداية هو موقف االكائن اوالوجود الأصيل الذي يحمل هم البحث عن وضعه كما وصفه هيدجر لا الكائن الذي يحيا وجودا مزيفا حيث ان الجماعة تذيب ذاته وتفقده وظيفتها المنوطة بها وهي الكشف الئ درجة يصبح استبدال الفرد بغيره ممكنا وتصبح الثرثرة هي سلوكه اليومي وهذا المصطلح( الثرثرة )يوظفه هيدجر للتعبير عن نوع من الحديث الذي لا يوصل لشيء ولا يكشف عن شيء . وهو بهذا يسخر من الإنسان الذي لا يجيد فن التكلم إذ الكلام نطق باسم الوجود وفي هذا يقول الفيلسوف سورين كيركغورد :”يالها من سخرية ان يحط الإنسان من نفسه عن طريق الكلام فيهبط الى مستوى ادنئ من العجماوات ويصبح ثرثارا .”
في هذا العمل الروائي الرائع تستعرض الذات الساردة الكثير من المواقف التي يعيشها الكائن الإنساني في هذا العالم : اشكالية العشق والحب ،اشكالية الموت ،اشكالية السعادة والفقدان ،اشكالية الخير والشر ،واخيراً اشكالية الإشكاليات او بالأحرى الإشكالية الكبرى التي هي الحقيقة انها بالفعل يمكن ان نصف رواية خلف الحجب بكونها ملحمة تصور اصرار وسعي الإنسان نحو المعرفة الحقة بشتى السبل الممكنة لكن يبقى دوما السؤال هو نفس السؤال : هل في إمكاننا معرفة الحقيقة ؟ أم نكتفي فقط بطرح سؤال بدله كما فعل الفيلسوف عمانويل كانط : ماذا أستطيع ان اعرفه؟
نيس – فبراير ٢٠٢٤

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى