قراءة في “ترند” الزوجة غير ملزمة

بقلم: داليا الحديدي | كاتبة مصرية

أثارت تصريحات المحامية نهاد أبو القمصان الرأي العام العربي بشكل واسع، حتى أن وسائل التواصل الاجتماعي ليس لها حديث سوى التهكم على ترند “الزوجة غير ملزمة”.

 بداية يجدر الإشارة أن الأستاذة نهاد أبو القمصان محامية مصرية تقابل يوميًا في محاكم الأسرة مئات من حالات انتهاكات وضياع حقوق الزوجات، فهي شاهد عيان على تلاعب الذكور بالقوانين لأكل حقوق الزوجات سواء قبل الزواج بتشجيعها على التنازل عن مهرها أو على تقليله أو للضغط عليها للمشاركة في الإنفاق على تأثيث البيت أو بعد الزواج حيث باتت المرأة تعمل داخل البيت وخارجه، وتنفق ثم لا تجد تقديرا، بل لا تجد سوى التطاول والعنت تحت ذرائع عدة.

لذا، فاقتطاع  تصريح الأستاذة المحامية عن سياقه مضل، فهي لم تكن تعني ولم تكن تدعو الزوجات للامتناع عن خدمة أسرهن، لكنها رسالة مبطنة للزوج أنك تحصل على أكثر من حقك أو بالعامية “لِمْ الدور”، ولا تبالغ في التجبر والتسيد.

تصريح الأستاذة نهاد أبو القمصان أن الزوجة غير ملزمة بالخدمة ليس دعوة للزوجة لهجر مسؤولياتها تجاه الأبناء أو التهرب من أعمال المنزل، لكنها تذكير للزوج بأنها تحمل مسؤوليات جساما قد تصل لخدمة أهل الزوج، ثم لا تنال سوى التوبيخ والفرعنة وعدم الرضى، عدا الانتقادات التي لا تنتهي أو التهديد بالزواج بالأصبى والأغني.

لذا، فقد جاء تصريح المحامية من منطلق: (لو أردت المناقشة بالشرع)، فهناك نصوص غير ملزمة بالخدمة، بل هناك نصوص تلزمك أنت بالإنفاق لشراء بيت الزوجية ورغم هذا فهي تشارك في ثمنه وأخرى تلزمك بالتكفل بتأثيث بيت الزوجية لكن رغم هذا، فهي تساعد في تكاليف تأثيث البيت.

وهناك نصوص قرآنية تلزمك بدفع ثمن جهد الرضاعة حال وقوع الطلاق ومع هذا فهي لم تطالب به من الأساس.

لقد قرأت تصريحات أ.نهاد من منطلق أنها دعوة للتعامل بالفضل لا بالحقوق وإلا، لو أراد الرجال التسيد بما تقدمه لهم الشريعة من حقوق، ففي تلك الحالة، وجب تذكيرهم أن هناك حقوقا مماثلة للزوجات لم يطالبن بها من منطلق التعامل بالفضل.

عندما تصرح نهاد أبو القمصان أن الزوجة غير ملزمة بالخدمة فهي لا تعني  دعوة النساء لإسراف أوقاتهن أمام الحاسبوب ولكن معناه أن لنفسك عليك حقا، كما أن لأسرتك عليك حقا، فلتمنح كل ذي حق حقه، سيما أن نساء المجتمعات العربيات نشأن على فكرة أن الزوجة لن تكون صالحة إلا بتقديم التضحيات سواء بحياتها أو وقتها أو أموالها لأسرتها، ثم تفعل فلا تجد من شريكها سوى النكران والهجران وساحات القضاء والإجبار على التنازل عن الحقوق المادية وعن حضانة الأبناء.

لذا، فمن المفيد تذكير النساء في مجتمعنا بتقنين العطاء كي لا تنسى نفسها حتى لا يقال لها: “نحن لم نطالبك بتلك التضحيات، أنت من قدمت دون أن نطلب”.

حين صرحت أ. نهاد أن الشريعة غير ملزمة للمرأة بالخدمة فإنها تعني أن النساء بحاجة للمساعدة، أما أن يتم ترجمة تلك التصريحات بشكل سلبي يثير التهكم، فهذا لن يفيد المجتمع، فالمحامية الشهيرة تدق ناقوس الخطر في أذن كل ذكر يضيق الواسع على زوجته فلا يعينها أو يستقدم مَن تساعدها – لو كان في استطاعته، وإن لم يستطع فلا أقل من أن يتذكر أن الشريعة لم تفرض على زوجته تلك الأعباء، ومع هذا فهي تتكفل بتلك الخدمات بدافع الحب والمشاركة، لا بدافع الإلزام أو خشية العقوبة.

عندما تقول أ.نهاد للزوجة أنها غير ملزمة بالخدمة فإنه تذكير للزوجات أن الترويح عن النفس ليس جريمة ولا يعني التنصل من مسؤلياتها كأم أو كزوجة وفي الوقت ذاته هو تنبيه للزوج أن شريكة حياته بحاجة لهدنة لإعادة شحن طاقاتها سيما أن بعض الأزواج يقومون بعمل صيانة دورية لسيارتهم فيما ينسون صيانة زوجاتهم.

العلاقات الزوجية بحاجة للمزيد من التفاهم لتنقية لغة الحوار لتجنب تصيد الأخطاء لركوب الترند سيما ونحن في مجتمع بات عدد كبير منه ومن برامجه ومقدميه ومعديه يتمعيشون من ركوب الترند.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى