كن أنيقاً حتي تهواك القلوب

د. عادل المراغي | القاهرة

تعد الأناقة والجمال وحسن  المظهر من مصائد القلوب، فهي مما يريح النفس ويشرح الصدر ويسر الناظرين، كما قال الشافعي رحمه الله:

‏ثلاثة يُذهبن عن المرء الحزن

 الماء والخضرة والوجه الحسن

ومما يدل علي إهتمام الاسلام بالجمال وحسن الهيئة ما ورد في القرآن الكريم حيث لفت أنظارنا إلي الصور الجمالية في الكون وما فيه من نجوم زاهرات وبدور نيرات وشموس وأقمار  حتي تفيئ النفوس إلي خالقها قال تعالى:- (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ )

وأمرنا جلت قدرته بالنظر إلي السماء وجمالها وبديع صنعها قال تعالي (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ )

وأمرنا بالسير في البلاد حتي نري الطبيعة الساحرة بجمالها الخلاب ونتفيأ ظلال ما صنع الله وأبدع من الأشكال والألوان في الأزهار والأطيار والأشجار والثمار والحدائق الفينانة والجنان الفيحاء والبساتين الخضراء ،وأمرنا جلت قدرته  بالنظر إلي جمال الأنهار والبحار والفيافي والقفار والسهول والفجاج،والفراديس الغناء، قال تعالي:-

(قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ)

ويقول الشاعر في وصف جمال الطبيعة الخلاب:-

‏تأمل في نبات الأرض وانظر

إلى آثار ما صنع المليكُ

عيونٌ من لجين شاخصاتٌ

بأحداقٍ هي الذهب السبيكُ

على قُضُب الزبرجد شاهدات

بأن الله ليس له شريكُ

ولقد حث الإسلام علي النظافة والأناقة وجمال المظهر فدعا أتباعه إلي نظافة البدن ومن ثم شرع أكثر سبعة عشر غسلا ما بين الواجب والمسنون والمستحب ،كما شرع لأتباعه الوضوء،لكل صلاة ،بل جعل النظافة نصف الإيمان كما في الحديث الصحيح، (الطهور شطر الإيمان ) رواه مسلم

وجعلها أيضا من شعب الإيمان ،وحث أتباعه علي نظافة الهيئة و الثياب والاعتناء بالأناقة، وعد ذلك ليس من الكبر.

عن عبدالله بن مسعودٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ)، قال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنةً. قال: (إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكِبْرُ: بطَر الحق، وغمط الناس)؛ رواه مسلم.

ومما يدل علي أثر الأناقة في احترام الناس وحبهم للشخص أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له عدة أثواب يلبسها ،ثوب لمقابلة الوفود،وثوب للجمعة والعيدين،وثوب للمسجد والصلوات الخمس ومقابلة أصحابه ،وثوب آخر في بيته.

ومما يدل على اهتمام الإسلام بالجمال الخارجي وحسن الهيئة في علم الدبلوماسية الحديث،أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سفراءه إلي الملوك والأمراء وكانوا في أجمل هيئة وأكمل صورة،فأول سفير أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلي المدينة هو مصعب بن عمير الفتي المعطار المنعم المدلل الأنيق النزيه.

كما أرسل جرير بن عبد الله البجلي الذي كان أجمل شاب في شبه الجزيرة العربية وكان يلقب بيوسف هذه الأمة لفرط جماله، وكثيرا ما كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم بجمالة وأناقته حتي قال له: (إنك امرؤ قد أحسن الله خلقك فأحسن خلقك) أخرجه ابن عساكر

وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل وافدا عليه: ( يطلع عليكم خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك)

وكان عمر بن الخطاب يقول عنه  (جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة ) وذلك لجماله الباهر وأناقته.

وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً إلي  عمان .

وكان أيضاً من أجمل الصحابة وأحسنهم صورة دحية الكلبي الذي كان ينزل جبريل عليه السلام في صورته لجماله وكان سفير النبي صلى الله عليه وسلم إلي هرقل عظيم الروم .

وما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً إلا وكان حسن الهيئة جميل الخصال حسن الاسم.

ولقد دعا الإسلام أتباعة إلي نظافة الفم و الأسنان.

( عن أبِي هريرة رَضِي الله عَنْهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلَى أمتي لأمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضوءٍ عِنْدَ كُل صَلاةٍ» متفق عليه.)

وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم استخدام السواك عند مجامع الناس وعند دخوله البيت وقبل الجماع وقبل الصلاة وعند قراءة القرآن وقبل النوم وبعد النوم، كل ذلك حتي يغير رائحة الفم ويطيبها ،فكم من رائحة كريهة كانت سببا في نفرة الزوجة وبل وطلاقها .

وقد ورد في فضل السواك ونظافة الفم أكثر من ستين حديثاً مابين الحسن والصحيح،أوردها الإمام المنذري في كتابه الترغيب والترهيب.

فالرائحة الطيبة رسول الحب وبريد الود إلي القلوب ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(إنه ليعجبني الشاب الناسك(أي المتدين) نظيف الثوب طيب الريح)

وقال مكحول الدمشقي رحمه الله :-(من طابت رائحته صح عقله وقل همه)

كما دعا الإسلام أتباعه إلي نظافة الشعر وإكرامه والاعتناء به( فعن أبي قتادة الأنصاري  أنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – : إن لي جمة أي (خصلة من الشعر) أفأرجلها ؟ (أي أمشطها) فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : نعم ، وأكرمها . فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين ; لما قال ( له ) رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( نعم ) وأكرمها )رواه أحمد

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الشعر الذي دخل عليه أن يكرم شعره.- (من كانَ لَه شعرٌ فليُكرِمْه) رواه أبو داود

ومن العناية بجمال الشعر أنه نهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض ،لأن القزع مما تنفر منه الفطر السلمية ويأباه ذو العقول الرشيدة، والطباع السوية.

ومما يدل علي أن الأناقة لها أثر كبير في غزو القلوب أن العين تقع علي الشخص الأنيق وتحبه قبل أن يتكلم، وتنفر من رث الهيئة وتبغضه قبل أن يتكلم، لأن العين رسول القلب، فإذا لم تستحسن العين لم يشته القلب ،ومن واقع التجربه أن كثيراً من الناس  قد يحب الشخص ويعظمه لجماله وأناقته وحسن مظهره ولو كان لا يملك نقيرا ولا قطميرا ولا فتيلا.

قال إليا أبو ماضي:-

إن أنت أبصرت الجمال ولم

 تهــــــم         

كنت امرءاً خشن الطباع ، بليدا

وقد يحتقر الإنسان شخصاً رث الهيئة وينفر منه ولو كان ملكاً من ملوك الدنيا

قال الشاعر:-

‏إن العيون رمتك إذ فاجأتها

وعليك من غالي الثياب لباسُ

أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت

واجعل لباسك ما اشتهته النَّاسُ

ومن الصورة الحية في حياة الصحابة  رضوان الله عليه أن ابن عباس الحبر البحر ترجمان القرآن  كان غاية في الأناقة،فإذا خرج من بيته تطيب وفاحت  رائحة المسك من مشيته وكان يتجمل لزوجته ويقول (إنهن يحببن منا ما نحب منهن)

قال تعالي:- (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)

وهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في الأناقة والنظافة وقد وصفهم الإمام مالك رحمه الله بقوله:- (كان سمتهم أحسن السمت وكانت وجوههم أضوء الوجوه إذا نظر إليهم الناظر سرت نفسه وقرت عينه)

وكذالك ينبغي علي الدعاة والعلماء والمصلحين والقادة والساسة وأصحاب مواقع التأثير لأن الناس تنظر إليهم كما تنظر الطير إلي اللحم.

ومما لفت نظري أن الإمام أحمد بن حنبل رغم ضيق ذات اليد وفقره ورغم طول جهاده في طلب العلم إلا أنه كان معطارا أنيقاً غاية في الأناقة حتي قال عنه ابنه عبد الله (ما رأيت أحدا أنظف ثوبا ولا أشد تعهدا لشاربه وشعره ورأسه ولا أكثر نظرا في المرآة من أحمد بن حنبل)

ومن عناية الإسلام بالأنافة والنظافة أنه جعل إيذاء الناس برائحة الثوم والبصل والكراث وما شابهها من الدخان ورائحة الجوارب الكريهة، كل ذلك جعله الاسلام جريمة تمنع من دخول المسجد

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ ﷺ:( مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزلْنَا أَوْ: فَلْيَعْتَزلْ مَسْجدَنَا) متفقٌ عليه.

وكم نفرت الروائح الكريهة من أفراد ورزعت من أحقاد!!ومن تجارب الحياة أنني لم أكن أعرف قيمة الأناقة والنظافة الشخصية حتي دخلت علي أمرأة في مسجد النور بالعباسية وهي تطلب الطلاق بعد أن كرهت زوجها ونفرت منه وقد أفصحت عن السبب وهو رائحة فم زوجها الكريهة وعدم الاعتناء بالنظافة الشخصية التي جعلها الإسلام من عشر الفطرة وأوصي الله بها خليله ابراهيم عليه السلام.

 

فإذا أردت أن تتربع علي عروش القلوب فكن أنيقاً نظيفاً حسن الهندام جميل المظهر مرتبا ،وتذكر أن آخر السنن  التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته هي سنة السواك إشارة الي النظافة التي هي ليست سلوكا حضاريا وفقط،بل هي سلوك عقدي إيماني ومصيدة من مصائد القلوب النافرة وسبب للوقاية من الأمراض والأوبئة. وقد كشف وباء كورونا أهمية النظافة والعناية الشخصية وكيف أن الإسلام أمر أتباعه بذلك منذ خمسة عشر قرناً من الزمان حتي يبني جسور التواصل ويبسط جناح الحب وينشر روح المودة والسلامة والأمان بين الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى