هذا شأنُها كلَّ يوم!

عبد القادر الحصني-شاعر سوري

ويخجلُ هذا الغريبُ إذا بلغتْ نفسُه منتهاها
تخجِّله حفنةٌ من ترابٍ
تقولُ له: كيف تسرقني من بلادٍ
وتنأى بنفسكَ عنّي
وتسلمني لبلادٍ سواها؟!

أنا ما سرقتُكِ
سوف أعيدُكِ
هل كان منّيَ غيرُ الذي تعرفينَ
وهل تسمعينَ من الناي إلا الحنينَ
وهل وسعُ نفسٍ تقدِّر في أيِّ أرضٍ تموتُ
فلو يُشترى أو يُباعُ السكوتُ
كفاكِ… كفاني!

– تسكِّتني! هل أبوحُ لغيركَ مما أعاني؟
أنا كلَّ يومٍ أراكَ تموتُ
أعيشُ مرارةَ: أين سأذهبُ بعدَكَ؟
ليت المَعاني تُعاني الفراغَ…
الفراغَ… وكم موحِشًا في الأواني!

فهمتُكِ.
واللهِ أفهمُ
وعدٌ عليَّ
سأطلبُ إن كان للروح ما تستطيعُ اليَدَانِ
لأحملَ منك الذي تحملانِ
وأودعُه في ثراها

وما لم أقله، اسمعي أنا أيضًا
إذا صرتُ روحًا أحبُّ بلادي
ولو قفرة نفرة في ثياب الحِدادِ
وأيضًا أحبُّكِ
سوف أحاول ألّا تكوني هنالكَ وحدَكِ
للروحِ يومئدٍ من هداها
صراطٌ يبلِّغها منيةً من مناها
وأمنيّتي أنْ أظلَّ بقربكِ
سوف يقولون لي: أنت لستِ التي
وسوف أقول لهم: جثّتي!

صحيحٌ هما أجَلٌ وكتابْ
ولكنَّ من يؤنسُ الروحَ يؤنسُ حتّى الترابْ
سأفعل كلَّ الذي أستطيعُ
أقول لقد مرّ بي عمُرٌ مَن رآها رآني
ومن حقّ تُربتها أن ترى من يراني يراها
فماذا تريدين أكثرَ؟!
أرجوكِ أن تثقي… أنت من لا أريد سواها
وإن كان ما لا تريدينَ
أن تعذري
تغفري
تمنحي عشبةً أنْ تُتيحَ لهذا الهواء شذاها
اتّفقنا؟
اثّفقنا، ونامتْ
وها أنتَ تسهرُ
يبتسمُ الربُّ: طوّلتَ بالكَ
لو قلتَ من أوّل الأمر أنّك لستَ إلها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى