جذور منسية

د. نجاة صادق الجشعمي
ناديتُهمْ والليلُ يطوي صمتهُ
فأدارَ كلُّ قريبِ وجهًا مُثقَلُ
مددتُ كفّي نحوَ من قد كنتُهم
لكنّهم رمَوا النداءَ، وأرحلوا
كم من دعاءٍ قد رفعتهُ، علّهم
يُصغونَ لي، لكنّهمْ لم يَعدلوا
كم من وجوهٍ قد رجوتُ دفاءها
لكنّها في لحظتي قد أُقفلوا
ما كنتُ أطلبُ غيرَ صوتٍ ناعمٍ
يُشبهُ حنانَ الأمِّ، أو ما يُجملُ
ما كنتُ أرجو غيرَ صمتٍ صادقٍ
يُشبهُ رضاهمْ، أو يُداوي مَنهلي
لكنّني حين احتجتُ، وجدتُهم
صخرًا، وقلبي في النداءِ يُذهلُ
قالوا: تغيّرتَ، اختفيتَ، تخلّيتْ
لكنّهمْ ما ساءلوا، ما سألوا
قالوا: كذبتَ، وما نظرتُ لوجههم
إلا وقلبي من جراحِهم يُثقلُ
أنا الذي أُهدي السلامَ، وإنْ بدا
في القلبِ طعنٌ لا يُداوي مِقولي
أنا الذي يُخفي الجراحَ، ويبتسمْ
كي لا يُقالَ: الحزنُ فينا يُنزلُ
أنا الذي أُهدي الوفاءَ، وإنْ بدا
فيهمْ جفاءٌ لا يُداوي مَنهلي
كم من مساءٍ قد بكيتُ، ولم يكنْ
فيهمْ سميعٌ، أو حنونٌ يُسألُ
كم من صباحٍ قد بدأتُهُ بالدعاء
لكنّهمْ رمَوا الدعاءَ، وأقفلوا
كم من خطىً قد مشيتُ بها إليهم
لكنّهمْ رمَوا الطريقَ، وأضلّوا
كم من حنينٍ قد كتبتُهُ ناعمًا
لكنّهمْ رمَوا الحروفَ، وأجهلوا
أنا لا أُبكيهمْ، ولكنّ الذي
في القلبِ نارٌ لا تُطفّئُ بالمُقلِ
أنا الذي أُهدي الحروفَ، وإنْ بدا
فيهمْ جحودٌ لا يُقالَ ويُحتملُ
فامضوا، ولا تنظرْ إليّ، فإنّني
صرتُ الذي لا يُرتجى، لا يُسألُ
لكنْ إذا مرّتْ بكمْ ذكرى، فقولوا
كانَ الذي يُعطي، وقلتمْ: يُهملُ



