ثورة الروح

محمد سمحان-شاعر أردني

.
أف من الدنيا ومن أصحابها
ومن الألى هاموا وراء سرابها

.
غلبتهم الشهوات فانقادوا لها
واستسلموا لطعامها وشرابها

.
خلبت بصائرهم بزخرفها فما
انتبهوا لبغتتها وقرب خرابها

.
شربوا كؤوس خداعها واستمرأوا
ذل الركوع على لظى اعتابها

.
لعبت بهم، واستحكمت بعقولهم
برخيص زينتها ورث ثيابها

.
واستعبدتهم.. حينما اصغوا إلى
وقع الدراهم في رقيع جرابها

.
فاستنزفوا الاعمار في إعمارها
حتى منوا بغيابهم وغيابها

.
هي حانة الحمقى.. وكم من (باقل)
يأوى إليها غارقا من صابها

.
خذ يا ابن آدم ما تريد وتشتهي
من برق فتنتها ومين سحابها

.
المال والسلطان محنتها وكم
علقت رؤوس في رؤوس حرابها

.
يا من يعيش وهمه تسآلها
تبا أما تصغي لوقع جوابها

.
أو من يرى احلامه أن يرتوي
من قيظ مبسمها وملح لعابها

.
يا من تعب لكم ستبقى صاديا
فأجاجها متأصل بعبابها

.
طبع الغواني من قبيح طباعها
ونقيع سم الرقط في انيابها

.
ان اشرقت فحذار من اشراقها
أو اغربت فحذار من اغرابها

.
تأتي إليها عاريا مستسلما
وكما تجيء تعود صوب ترابها

.
تغريك بالتطواف حول طيوفها
ويشدك الترحال في إعقابها

.
تعطي وتأخذ منك ما اعطتكه
ويظل ما تعطي على ابوابها

.
وتظل تشغل بال من شغلوا بها
وكأنهم خلدوا بلبس ثوابها

.
وتغافل الصرعى لينسوا غدرها
وتعد عدتها لاخذ حسابها

.
بالموت تفجعنا ونسأل عطفها
أن تكثر النسيان في اكوابها

.
هي جيفة.. لا يستطاب مذاقها
أو عرق عظمتها لغير كلابها

.
ومباءة لا يستسيغ طعامها
إلا طوارق دودها وذبابها

.
متهافتين على التهام رميمها
والكل مسعور لكي يحظى بها

.
طول المقام بها يطيل عقابها
وتعاقب الايام بعض عقابها

.
هي لا ترى فينا سوى أنا لها
انساغ خضرتها وسر شبابها

.
انظل نمنحها البقاء وننطفى
مثل الشموع تضيء في محرابها

.
تبا لها تحيا على اشلائنا
وكأن كل الخلق من اسلابها

.
والخلد فيها كذبة يحلو لنا
تصديقها وتسومنا بعذابها

.
لا شيء من لا شيء يمكن أخذه
يا حكمة نخشى من استيعابها

.
هل نحن في الدنيا سوى مترحل
اعمى اضل مساره بشعابها
* * *
مالت علي فحرت في اسبابها
لما ابيت السير خلف ركابها

.
خمسين عاما لوعتني وانتهت بي
لعبة خرقاء من العابها

.
والموت ارحم من تجرع ذلها
فلفظتها وسئمت أن احيا بها

.
يا صاحبي شعري وايامي التي
ودعتها والشعر ملء اهابها

.
يا كم سبحنا في بحور عروضها
واشتط فينا الغوص في آدابها

.
انا تهت في الدنيا على الدنيا التي
الفيتها تعلوا على طلابها

.
ورضيت أن احيا بها مترفعا
عن نيل ما قد يشتهي من غابها

.
فالظلم ديدنها ولم أك ظالما
لاعيش مثل ضباعها وذئابها

.
بئس الحياة اذا ارتضينا ظلمها
والكل مسلوق بسوط صعابها

.
والظلم في حجب الذي يحتاجه
اهل الحجى والرأي من حجابها

.
والشعر ابقى دولة فبيوته
مشكاة نور في ظلام كتابها

.
لا شيء يرخصها سوى إعراضنا
عنها وهتك ستارها ونقابها

.
فالغر من يجري وراء قشورها
أما اللبيب فيكتفي بلبابها

.
والحر من يسمو على اغرائها
والشهم من يعلوا على ارهابها

.
سل من مضوا عنها وماتوا قبلنا
ماذا جنوا منها سوى اوصابها

.
خلوا القصور إلى القبور بشهقة
من قبل أن يتنبهوا لكذابها

.
فاستودعت ما خلفوا لخلائف
تمضي إلى حال اراه مشابها

.
عبر تعاتيبنا ونشغل بالنا عنها
لتفجأنا بنار عتابها

.
وتعيدنا للوعي مهما باعدت
أو قاربت أوهامنا بصوابها

.
نحن الهشيم صغارنا وكبارنا
وحياتنا رهن بعود ثقابها

.
سيان من عاش الحياة مجانبا
هربا ومن عاش الحياة مجابها

.
دعها لمن هاموا بها فهوت بهم
وارجع لروحك قبل وقت ذهابها

.
تنعم بهدأتها وطيب أريجها
وبنبل جوهرها ودفء رحابها

.
دنياك ظالمة وغادرة وفانية
وكل السوء في ألقابها

.
اتحبها، وتغض عن سوءاتها
لتعيش منساقا وراء رغابها

.
وإلى متى تبقى اسير خداعها
وإلى متى ترتاع من أغضابها

.
وإلى متى ستظل طوع بنانها
وتدور مصلوبا على دولابها

.
فاقرأ على الدنيا السلام وخلها
وأزهد بها لتكون من اقطابها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى