العيد بستان الشعراء
عبدالعزيز آل زايد | السعودية
أقبل علينا العيد بردائه البهي البهيج، أقبل العيد كما يقبل خطو الربيع، أقبل يراقص الأزاهير والكروم، فمن أيّ الكؤوس نعب ونرتوي؟، لا ريب أنّ العيد يطربه الشعر، ويهزه الإيقاع، ويسليه قاف القصيد، إنّ للناس مشاعرًا تفيض في مواسم الأعياد، كيف إذا كانت تلك المشاعر من وقع شاعر؟، إنّ العيد بستان الشعراء، ولا ريب أنّ للإبداع جرس تتوق إليه النفوس، فما سيهدي الأديب الأريب حبيبته، في يوم العيد، يصوغ إيليا أبو ماضي بدائع شعره للمحبوبة بقوله:
أَيُّ شَيءٍ في العيدِ أُهدي إِلَيكِ
يا مَلاكي وَكُلُّ شَيءٍ لَدَيكِ
أَسِوارًا أَم دُمُلجًا مِن نُضارٍ
لا أُحِبُّ القُيودَ في مِعصَمَيكِ
أَمخُمورًا وَلَيسَ في الأَرضِ خَمرٌ
كَالَّتي تَسكُبينَ مِن لَحظَيكِ
أَم وُرودًا وَالوَردُ أَجمَلُهُ عِندي
الَّذي قَد نَشَقتُ مِن خَدَّيكِ
أَم عَقيقًا كَمُهجَتي يَتَلَظّى
وَالعَقيقُ الثَمينُ في شَفَتَيكِ
الكلّ يرمق السماء، ويُحَدّق في عنق الأفق، لعله يرى ولادة القمر الوليد، فيزف الأفراح للجميع، يسبق مراصد الفلكين جبران خليل جبران، ليتحفنا بخبر عاجل، ويردف مبشرًا:
هَلَّ الهِلاَلُ فَحَيُّوا طَالِعَ الْعِيدِ
حَيُّوا الْبَشِيرَ بِتَحْقِيقِ الْمَوَاعِيدِ
يَا أَيُّها الرَّمْزُ تَسْتَجْلِي الْعُقُولُ بِهِ
لِحِكْمَةِ اللهِ مَعْنَى غَيْرَ مَحْدُودِ
كَأَنَّ حُسْنَكَ هَذَا وَهْوَ رَائِعُنَا
حُسْنٌ لِبِكْرٍ مِنَ الأَقْمَارِ مَوْلُودِ
لقد فنيت أيام شهر رمضان، وها قد جاءت ساعة العيد، فماذا يروم الشاعر الولهان؟، وما أمانيه من الظباء والغزلان؟، يتناهى لمسامع أحمد شوقي تباشير العيد، فيقفز منتشيًا:
رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي
مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
ما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلّافِها
وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ
اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها
إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواقي
“عيد سعيد”، معاشر المسلمين، “كل عام وأنتم بخير”، نتوقف لحظة ونستشير العقاد في أيّ التهنئتين أولى،
أنقول في العيد: “كل عام وأنتم بخير”؟، أم نقول: “عيد سعيد”؟، يجيبنا العقاد بقلمه الصقيل أنّ الثانية أمنية معظم الغربيين، رغم كونها أمنية جميلة محبوبة، إلا أنّ العقاد يفتينا بالأولى لا لكونها أمنية شرقيّة وحسب، بل “لأن الخير أعظم من السعادة، وهو يشملها ويحتويها”، ويبرر بطريقته الفلسفية: “قد يكون الإنسان سعيدًا وهو مخدوع في سعادته، كأولئك الذين يحيط بهم الشقاء وهم يجهلونه ويجهلون أنفسهم ويحسبون أنهم سعداء”.
رغم أنّ للعيد فرحته وبهجته إلا أنّه يتلون بتلون الظروف ويتزيى بأزياء الناس وأحوالهم، فإن كانت هَبّة الرياح مقبلة بالسعد نشرته على الملأ، فكيف حال المسلمين بعد تأزمات روابي القدس وتوترات فلسطين؟، يجيب معارضًا رائعة المتنبي؛ عمر أبو ريشة نافثًا مشاعره أبياتًا وقوافي:
يا عيد ما افتر ثغر المجد يا عيدُ
فكيف تلقاك بالبشر الزغاريدُ
يا عيد كم في روابي القدس من كبدٍ
لها على الرفرف العلوي تعييدُ
سينجلي ليلنا عن فجر معتركٍ
ونحن في فمه المشبوب تغريدُ
وفي الختام نغمض العيون نتذكر أيام الطفولة، ونستجلي أفراح الأعياد فيها، ونتساءل، هل أمست أفراح العيد اليوم، كما كانت أيام الماضي؟، أم أنّ بعض الأحوال تبدلت وتغيرت؟، يتحفنا ضيفنا الأخير نزار قباني بنطباعاته التي قد نتشاطر ونحتلب بعضها، إذ يقول:
يا عيد عذرًا فأهل الحيِّ قد راحوا
واستوطن اﻷرض أغراب وأشباحُ
يا عيد ماتت أزاهير الرُّبى كمدًا
وأوُصِدَ الباب ما للباب مفتاحُ
أين المراجيح في ساحات حارتنا
وضجَّة العيد والتَّكبير صدَّاحُ
هل حقًا رحل الناس وتركوا أحياءهم بلا أنس ولا صخب؟، كيف أصبحت أيام العيد لدينا اليوم؟، لنستمع لأزيز مرجل ذكرياته، لعلنا نتقاسم معه الواقع والإيقاع:
أين الطُّقوس التي كنَّا نمارسها
يا روعة العيد والحنَّاء فوَّاحُ
وكلنا نصنع الحلوى بلا مللٍ
وفرن منزلنا في الليل مصباحُ
وبيت والدنا بالحبِّ يجمعنا
ووجه والدتي في العيد وضَّاحُ
أين الذين تراب اﻷرض يعشقهم
فحيثما حطَّت اﻷقدام أفراحُ
أين الذين إذا ما الدَّهر آلمنا
نبكي على صدرهم نغفو ونرتاحُ