أدب

إليك يا زعفران الروح

فايز حميدي | شاعر فلسطيني مغترب

-١-
يا عروسةَ التّاريخِ وجُرحيَّ العَاري
وعشّقيَّ المُعتقُ وَصُحبتي الأزلية
يا دمعةَ القلبِ
في زمانٍ كُلُّ مَافيهِ فُجورُ ..
يَا مَدَائِن الآلام والأشّجانِ والجَوعى
يَا قُدس
يَا قُنيطرة
يَا بيروت
دمشق عوسجةً تستيقظُ في ذَاكرتي
كالفجر حينَ يُطارد ظُلّمةً
ويزفُّ امضاءَ الرَّبيع
تعتقُ الحُزنَ وَتعشقهُ
وَتُلملِمُ الجُرحَ
وتشعُّ النّورَ والسَّماحةَ من وَهجِها الأزليُّ
وبالأشواقِ تَستَعِرُ
كم لمحتُ يا عُشبةَ الرُّوحِ
في دَهشةِ مُقلتيك ِ:
وديانُ الأسى
وَدُهمَةُ الدُّجى
وأحلامٌ تُعاني ؟!
-٢-
تسيرين في قطارِ الحَالمين والفراغ الواجم
الجَسدُ مُسجَّى
واليَدانِ تُلوحانِ لأشرعةِ الغِيابِ
تتلمسين طَريقك الشَّائك
والكلامُ يمتدُ
والحُلمُ يوقظُ الرؤى
ويُحيي السُّنبلة
والحرفُ لا يُقيدُ
-٣-
عندَ حُدود الرَّيح وفي عَتمةِ الأشياءِ
أندىَ من الغيثِ ، تَغسِلين القَلبَ
وَتُلملمينَ أشجانيَّ على رَاحتيكِ
وأضمُ أضلُعي
وَتزهرينَ في دَمي وأهدابي :
عطرُ الميرَمية
وعبقُ البُرتقال
وحنين قُطوف العِنبِ
ورائحةُ أرغفة خُبزٍ تُشوى
إليكِ يَا أرملةَ الفرحَ المَقتول
إليكِ يَا زَعفرانَ الرُّوح ..
إليكِ أنحَني .
– ٤ –
يا سوسنةً يُعتمها الصَبرُ ..
فَتثوي
وفي المآقي شوكٌ وصبَّار
وذاكرةُ عُمرٍ تائهِ الوَجه
هائمٌ في المَدى
كَم كَحلتي أجفانَ النّومِ
عند مُنبثق الفَجر ..
وأيقظتني
بأصواتِ مآذنكِ
وَسعي الصِّغار إلى المدارسِ والرِّياضِ ؟
– ٥ –
جئتُ إليكِ
أشكو حَنيني إليّكِ
بفرحةِ زهرةٍ مُبتلةٍ تفيءُ إلى ثمرة
جئتُ إليكِ هادئاً كالنسيانِ
على جناحِ غمامةٍ اغتَالها الحُزن
تُواري وَجهها بِراحتيها
بينَ الصَّدى والأنين …
– ٦ –
جئتُ إليكِ
لأنثرَ عِظاميَّ على زندكِ
من فضائيَّ الوَعرُ
وليليَّ الدَّاجي
ووجعُ السنين
أعدُّ خطواتَ القلبِ بخاصرةٍ تَعبى
وصباحٌ لا يُرى
وأفقٌ رماديٌ
والشمسُ ترسمُ على سهل جبينك
لوحةَ رَحيّلها
وموّجُنا باهت الظلِّ يَعتليه الذُّهول
والقومُ ، حُزن المنافي ، فَمٌ يتأوهُ يشربُ الصَّمتَ
وَيغفو على حافةِ المُستحيلِ …
– ٧ –
في حومةِ القَهر والموتِ والدُّجى
ياشمساً أضيئي على تلك البلاد
لغةٌ خَضراء
ورفُّ عَصافير
وَصلاة
وأنيري على مَدائنِ القَحط
والقلوب الدَّامية
وأطفئي سَعيرَ نارٍ أوقَدها ضَجيجُ الطُغاة
– ٨ –
الرِّيحُ أطفَئتْ السِّراج والهمُّ ألوانُ
والسُّحب أُسدلتْ والبدرُ حَيرانُ
والظِلالُ شاحبةٌ في فنائِها الدَّارُ
يا بلاداً أمستْ جَحيماً
قهقهةُ المَوت ، وَصليل القيود
وَيرضعُ الأحبابُ من ثديٍ جَحود
وَرحيقُ العُمر فيها للغريب
ها قد وَطئنا يا بَنفسجةَ العُمرِ
هاويةَ القَعرِ
في مرَاعي القَهرِ
وَوجوم الشَّاطئ الخَاوي
مَتى إلى العَلياءِ نسّمو وَنصعدُ ؟
– ٩ –
يَا أحبتي
لا بدرٌ يلوحُ هُنا
وذاكرتُنا يَنثُرها الليلُ ..
وَطينتُنا وَجهٌ من ضياءِ
لكن الوقتَ كالخبزِ مرُّ
وفي القلبِ خذلانٌ وكثبانُ
وأعدُّ اللياليَّ خريفٌ خريف
يا وطنَ النُّور صَوتك حاضراً بالذاكرةِ
تستوطنُ بالجُرحِ
وبالجُرحِ تُنازل
أنت مقهورٌ وقاهر
أنت مَكسورٌ وكاسر
أنت مَهجورٌ وهاجر
أنت مَنحورٌ وناحر
وأنا الغريبُ ، الغريبُ ، في ظَلامِ الوجوهِ
أنأى بِجُرحيَّ المَفتوحُ عن مُقلتيَّ
– ١٠ –
جَذفوا يَا أحبتي
وَلتَكنْ خُطواتُنا خفيفة الخُطى
وجهةَ الشَّاطئ الذي لا أسم له
نَمضي إلى غَدِّنا بأملٍ رغيد
وفجرٍ جَديد
وبحرٍ جَديد
بَحر الحَياة غير المُتناهي
يَنبضُ بالضِّياءِ
وأحياناً أغنيةً حَزينة
لا مأثرةٍ تَبقى ولا أزمنةٍ تَأوب
سَألقاكَ يا حُلمي يَا مَلاكِ الوَديع
فَضاءٌ عابقٌ بالشَّذى
هي الحِكمةُ الجَذلى والحُزن العَنيد
* * *
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى