ذلك الغريب.. تقنية روائية مبتكرة
السفير: خــالد زيــادة | بيروت
تخبرنا مريم هرموش في روايتها الجديدة ذلك الغريب، أن ما سنقرأه سبق أن كتب وتحول إلى فيلم سينمائي. والقصة تلخّص بـ: علاقة زوجية شائعة، شاب جامعي انتهازي يتقرّب من زميلته، وبعد قصة حب تنتهي بالزواج يكشف عن شخصيته الحقيقية فيسيطر على شركة الوالدة ويُهمل زوجته، ويمضي في فساده مستخدمًا أساليب لا أخلاقية في توظيف الفتيات في الشركة.
هذه قصة شائعة في الأدب وفي السينما المصرية. لكن السيدة أريج، الفنانة وذات الروح الشفافة، التي تشغل وقتها في محترفها، وفي ارتياد المعارض الفنية، تلتقي بالفنان العائد إلى بلده من الخارج، ليعرض أعماله، فتُبهرها لوحاته قبل أن تنبهر بشخصيته ويقعان في قصة حب لكن الزوجة الفنانة أريج تكتم حبها، حتى يبلغ ولداها نادر ونسرين سن الرشد، ويغادرا المنزل إلى بلاد الاغتراب. في الوقت الذي تتباعد العلاقات بين الزوجة أريج والزوج مدحت.
إن قيمة الروايات ليس في القصة المروية ولكن في الأسلوب والسرد والتقنية الروائية. وعلى هذا النحو فإن اكتشاف الزوج لعلاقة زوجته بالفنان لا تتم عن طريق الصدفة، أو عن طريق توظيف شخص يتعقبها ويراقبها، وإنما عن طريق المذكرات التي كتبتها الزوجة ووضعتها أمامه عن قصد لتكشف له تدريجيًا علاقتها بالفنان.
وهنا تكمن خصوصية الرواية وبراعة الروائية مريم هرموش:
– من حيث التقنية حيث أدخلت رواية ضمن الرواية عبر قرأتنا لمذكراتها، وهنا تتحول الرواية من الأسلوب التقليدي السينمائي الشائع إلى رواية قائمة على المكتوب. كأن الزوجة أريج قد كتبت مذكراتها ليقرأها شخص واحد، هذه المذكرات لا تتخذ صفة الكتمان، وإنما صفة الاعتراف.
– لكن هذا الاعتراف ليس من أجل طلب المعذرة أو الغفران، وإنما هدفه الانتقام. فالزوجة تريد أن تنتقم من الزوج، بعد أن توارت وتركته مع مذكراتها التي تزيده غضبًا ويأسًا وتدهورًا، بعد أن تخلت عنه زوجته وبعد أن تخلى عنه الجميع بما في ذلك كلب العائلة.
– يعبّر الانتقام هنا عن موقف أنثوي جديد، وعن تطور في وعي المرأة التي لم تعد بالخنوع للزوج أو الخلاص بأهون السبل متخلية عن كل حقوقها، ولكنها تريد أن تكون متكافئة مع الرجل بل تريد معاقبته على سلوكه بما في ذلك التشكيك برجولته وإهانته.
– استطاعت مريم هرموش أن توظف جائحة كورونا توظيفًا دخل في نسيج الرواية دون أن يكون مجرد إطار زمني أو إضافة هامشية، فقد كشفت الجائحة عن خوف الزوج وهشاشته وأنانيته.
ولكن لأسباب قد تعود إلى عامل ثقافي لم تستطع الرواية تجاوزه فإنها تستخدم الموت لكي تنهي العلاقة بين الحبيبين خوفًا من التورط في سيناريوهات روائية معقدة، ومن مواقف اجتماعية وثقافية لا تتحملها الروائية والرواية. علمًا بان إقحام الموت هو نوع من عقاب غير صريح لعلاقة غير شرعية!!
ذلك الغريب رواية جديدة بأسلوب جريء، ولكن الأهم هو هذا الابتكار في التقنية الروائية الذي منحنا متعة القراءة لمريم هرموش التي أثبتت رسوخها في عالم السرد.