لن تكون كما تريد!!؟!
الفنان التشكيلي عبد الهادي شلا | كندا
كل إنسان يستطيع أن يقول بأنه يملك ذمام نفسه وليس لأحد القدرة على أن يتحكم في سلوكه أو يحجر على رأيه في أي مسألة عامة!!
فهل هذا ممكن حقا؟!
الواقع يقول غير هذا إذ لا يمكن للإنسان أن يكون قادرا على التصرف من هذا المنطلق في سلوكه العام والخاص علنا وعلى الملأ،فهناك ضوابط خارجية تحكم السلوك البشري في كل المجتمعات مع الأخذ في الاعتبار تغير وتبدل المجتمع إلى أخر لأن هذا الإختلاف رُسِمت وتحددت خطوطه نتيجة لطبيعة هذه الأماكن التي يتكاثر فيها السلوك وتنمو العادات والتقاليد فيكون النتاج متنوع ومختلف لكنه ليس بالضرورة أن لا يلتقي بعضه مع أخر في نقطة ما تكون عاملا مشتركا بينها.
لاشك أن كل فرد يستطيع أيضا أن يتخيل قدرات جسدية وذهنية ويترك لخياله المجال في رسم صورتها وتشكلها ،كما يمكنه أيضا أن يصل بها إلى ما فوق الميتافيزيقية أي إلى أبعد من امكانياتها ، لكنه بعد أن يعود إلى الواقع و يفيق من هذه الحالة الفوق ميتافيزيقية سوف يصطدم بوهنه وضعفه ليكتشف أنه أقل بكثير مما صوره خياله ولا يمكن أن يتحقق منها إلا ما يلائم قدراته الحقيقية .
مثل هذه الخيالات والأمنيات يتوقف تحقيقها على معرفة تامة بإمكانيات كل فرد وتحديد المدى الذي يمكنه أن يصل إليه فيها كما أنه يحتاج إلى اكتشاف أقرب السبل لتحقيقها والتي تُحتم عليه أن يمر بكثير من التعقيدات السلوكية التي تُجبره أن يبقى متماسكا أمام عصفها وتقلبها الدائم.
التجارب البشرية تخبرنا أن لا أحد يستطيع الخروج إلى أبعد مما ضبطه المجتمع من سلوكيات فردية لأنها بالضرورة سوف تصطدم أو تتلاقى مع سلوكيات فردية لأخر في نفس المجتمع فإما تكون النتائج غير حميدة أو يستقبلها الأخر برضى وقناعة ،وهذا التلاقي أو التنافر لا يفلت منه أي مجتمع فهو ظاهرة طبيعية في المجتمعات المتحضرة و المتخلفة أو حتى البدائية فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بغرائز البشر والتي نتأكد منها أن أحدا لا يمكنه “بالمطلق” أن يكون هو “هو كما يريد” دون أن يمسه شيء من الأخر المختلف عنه أو القانون العام الذي يحتكم إليه المجتمع الذي فيه الثواب وفيه العقاب وهي نقطة يستحيل تجاوزها لأن نتيجتها خروج هذا الفرد عن الجادة المتفق عليها،أضف إلى ذلك أن الإنسان ينصاع للأوامر الربانية التي رسمت له طرق النجاة والخلاص وحددت له السبل التي تساعده على حل مشاكله ومنها قلق النفس وعذابات الروح فهذا الإنسان دائما يحتاج إلى من يساعده على أن يكون هو”هوكما يريد” .
حين يجد أن كل الدروب مغلقة أمامه قانون وعادات وتقاليد مجتمعيه تحول بين أن يحقق هذا فإن إيمانه سوف يهديه إلى كيفية أن يكون ما يريد في وجود هذه التأثيرات المجتمعية التي تحيط به وتمنعه من أن يحقق صورته التي يريدها لنفسه لأنها كما أسلفنا عوامل متجذرة في المجتمع البشري ومتنوعة ومتعددة الصور ولا يمكنه الحياة وسطها دون أن تمسه أو يتعامل معها .
هذا يصل بنا إلى أن كل الشرائع السماوية جاءت لتضبط إيقاع الحياة بتوازن وتكامل ومنها النفس التي تراود صاحبها بأن يستقل عن الآخرين ولو برأي خاص بذاته التي أراد لها أن تكون على الصورة التي رسمها في خياله وتمناها لكن الشرائع جاءت للجميع ولم تختص بفرد من دونهم .
هذا ليس كل شيء ،ولا يمكن لأي فرد أن يكون هو ..هو كما يريد ما دام يعيش في عالم هو فيه نقطة في محيط ولا يمكنه أن يعرف كل الصواب أو تصحيح كل الأخطاء البشرية.!!