بعض الدلالات في قلم ناصر رمضان
بقلم: روان شقرة
قبل بدايتي المقال، كنت أمام مائدة أعمال الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد لموعد قراءة نقدية مع جميع ما أنتج… لكنّي حينما قرأتهم استوقفتني عبارة ونص أرى أنهما تناقشا قضايا عربية تقوم عليها حياة مجتمعاتنا العربية؛ لهذا قررتُ أنّ أحللهما وأفككهما فنياً.
العبارة الأولى: ” عجز الإنسان العربي عن التفكير
فلجأ إلى التكفير”.
التحليل الفني:-
ابتدأ بفعل ماضٍ( عجز)؛ لدلالة على حتمية العجز التي أصابت الفاعل( الإنسان العربي)، حيث أسند الفعل إلى فاعل موصوف؛ لتحديد والتخصيص.
العجز هنا عدم القدرة التي خارجة عن الإرادة، عجز يحلّ على الإنسان بشكل واقعي مفروض عليه دون اختيار.
ثُم تعلق المفعول به بشبه جملة( عن التفكير) حيث حدد ماهية العجز ألا وهو التفكير.
ثُم ربطها بجملة علاقة بينهما نتيجة، حيث لجأ إلى تكفير كل ما عجز عن التفكير به، وهنا إلى انتهاء الغاية، أي نهاية ما وصل إليه الإنسان العربي.
برع الكاتب باستخدام الجناس الناقص( التفكير، التكفير)؛لإيضاح المضمون الذي اختزل إشكال العصر العربي بل تاريخه الذي جمد عن التفكير.
وجاء السياق كالتالي:-
فعل ماضٍ، فاعل، شبه جملة
عجز، اسم ظاهر ( الإنسان العربي)، عن التفكير.
لجأ، ضمير مستتر( هو)، إلى التكفير.
فعل، شبه جملة.
قوي، ضعيف.
فالفعلان ماضويان مؤكدان حدوثهما، وشبه الجملتين هما الوسيلتين الضعيفتين للفعلين، فقد عجز العقل العربي وهرب باللجوء إلى قشة لم تنجيه بل أهلكته، فلم يستطع التفكير فتعامل بما هو ضده بقلب حروفه التكفير.
النص الثاني: ” تولد المرأة العربية
من رحم القهر
توأد قبل أن تولد
محاصرة بين تحرش الشعراء
وفقد المشاعر
فلا هي نعمت بالحرية
ولا رفرفت مع الطيور
اغتصبت أحلامها”.
التحليل الفني:-
افتتح سياقه الأسلوبي بالجملة الفعلية بفعل حاضر (تولد)؛ لدلالة على استمرارية الحدث للمسند إليه (المرأة العربية)، ثُم تعلق بالمسند شبه الجملة( من رحم القهر)؛ لدلالة على الضعف، حيث مِن دالة على الجنس، فأنجبت المرأة العربية من القهر.
كلمة الرحم دالة على الغلاف المُحاط بالمرأة، فهو غلاف محكم بالقهر والسلطوية والاستبدادية.
وما زال الأسلوب الشاعر كالكاتب حيث اعتمد على تعلق القوي بالضعيف في سياقات جمله، فقد تعلق الفعل القوي بشبه الجملة الضعيفة، فالواقع الحدث على المرأة قوي ومن الصعب أن تجابهه فلذلك يأتي ما ينتج ويتعلق به ضعيف…
ثُم توالت الجملة بسياق جمل لتوضح وتفسر هذا الرحم الذي أنجب أجيال من النساء المقهورات… فأتى بالفعل توأد المسندة إلى شبه جملة ظرفية( قبل أن تولد)، فالوأد المقصود هنا وأد الروح والعقل والعاطفة دون الجسد، فقد مُنع وأد الجسد منذ القدم، لكن وأد روح كيف يُمنع ويُعاقب مرتكبه طالما هي روح غير ملموسة و مرئية؟!
ثُم تعلق المسند بمصدر(محاصرة)على وزن مفاعلة؛ لدلالة على مطلق الحصار في كل الأزمنة ماضٍ وحاضر ومستقبل، فوصف الحصار بشبه الجملة الظرفية( بين تحرش الشعراء)، ثُم أعطفها بجملة( فقد المشاعر)، وهنا يكمن الوأد، فقد حرمت من الحرية، ففقدت معنى التعبير بالحب وشعوره، وقيدت بسلاسل مجتمعية عرفية، وبقيت حبيسة حروف الشعراء أداة وسلعة يتحرشون بها كجسد، فمضمونها مجهول يصعب وصفه من قبل الآخر؛ لأنه بكل بساطة مولدة من رحم القهر الذي يستحيل معه أن يولد إنسان سوي؛ ليعرف جوانبه الإنسانية ويتم وصفها…
ثُم أكد مضمون ما سيق بما أتى بعده مِن جمل معطوفة ( فلا هي نعمت بالحرية ولا رفرفت مع الطيور اغتصبت أحلامها)
نتيجة فقدها للمشاعر خسرت حريتها، وكنى عن ذلك بعدم رفرفتها مع الطيور؛ لذلك اغتصبت أحلامها… وأكد السلب والحرمان للمرأة بأساليب النفي ( فلا هي، لا رفرفت).
حين وصف فقدانها للحرية جاء سياق الجملة اسمية؛ لدلالة على ثبوت الفقد.
انتقى الشاعر المصدر من غصب (اغتصبت)؛ لتغليط الوأد والأسر الذي كُبلت به الأُنثى… فالاغتصاب المشاعر مِن أقبح ما يتعرض له الإنسان في الحياة…
المُتلقي حينما يقرأ هذه الأبيات ستصيبه صدمة الذهول؛ لأن مَن تكلم عن وجع المرأة هو رجل وليس شاعر، فحتى قهرها قام بوصفه جنسها الآخر؟!
لا أريد الإطالة في التحليل؛ لأني مقيدة بعدد محدود من الكلمات في المقال، لكنّي أُجزم بشكل قاطع أن هاتين القضيتين لو تم تأملهما وعلاجهما في المجتمعات العربية لأُزيل عنها غبار التأخر والتراجع بين الدول.