” العيد” في ذاكرة الأدباء

صبري الموجي/ رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

من قديم الأزل وللآن ظل العيدُ هو المناسبةَ العطرة التي ينسي الناسُ فيها أو يتناسون همومَهم وأحزانهم، ولا يرضون بغير السعادة والفرح بديلا، وبوصفهم جزءًا من نسيج المجتمع، فقد تباري الأدباءُ والمبدعون في التعبير عن فرحتهم بهذا اليوم، وسعادتهم بمقدمه علي البلاد، فها هو ذا أمير البيان العربي في العصر الحديث مصطفي صادق الرافعي يُعبر عن نشوة الدنيا كلها بمقدم العيد فيقول : “أيتها الرياضُ المنورة بأزهارها.. أيتها الطيورُ المُغردة بألحانها.. أيتها الأشجارُ المُصفقة بأغصانها.. أيتها النجومُ المتلألئة بالنور الدائم.. أنتِ شتى؛ ولكنكِ جميعًا في هؤلاء الأطفال يوم العيد !”

وبحكمة بالغة يكشف الرافعي حقيقة العيد في كتابه الفذّ ” من وحي القلم”  فيقول : “جاء يومُ العيد، يومُ الخروجِ من الزمن إلي زمنٍ وحدَهُ لا يستمرُ أكثرَ من يوم.

والعبارة السابقة هي دعوة لطرح الهموم والأحزان جانبا، والانغماس في اللهو اللعب والمرح، والتزين بأحسن الثياب، والبُعد عن كل المُكدرات والمُنغصات.

وبعبارة مملوءة بالتفاؤل والبِشر، يوضح الرافعي أنه برغم قصر هذا الزمن (وهو يوم العيد)، إلا أنه زمنٌ ضاحكٌ، تفرضُه الأديان علي الناس ، ليكونَ لهم بين الحين والحين يومٌ طبيعيٌ في هذه الحياة  التي انتقلت عن طبيعتها.

وهنا يكشف الرافعي أن السعادة هي الأصل، أما الكآبةُ والحزن فهما شيء عارض، يجب ألا ينسينا فرحة العيد.

وعن مظاهر تلك الفرحة بهذا اليوم يقول الرافعي :  ” إنه يومُ السلام ، والبشر والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول المرء لأخيه وأنتم بخير.

ويضيف قائلًا : هو يومُ الثياب الجديدة علي الكل إشعارًا لهم بأن الوجه الإنساني جديدٌ في هذا اليوم، هو يومُ الزينة التي يُراد إظهارُ أثرها علي النفس؛ ليكون الناسُ جميعا في يوم حب.

ويُواصل قائلا : هو يوم تقديم الحلوي إلي كلِ فمٍ لا تحلو الكلماتُ فيه، هو يومٌ تعمُّ فيه الناسَ ألفاظُ الدعاء والتهنئة مُرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة.

ولم يفُت الشعراء أيضا أن يُعبروا عن تلك المناسبة السعيدة فها هو شاعر المهجر إيليا أبو ماضي في إحدي قصائده الشهيرة يستخدمُ “لفظ ” العيد، ويجعله أداة يوصلُ بها رسالته الغزلية إلي حبيبته فيقول : 

أيُ شيٍء في العيد أُهدي إليك يا ملاكي وكلُ شيء لديك.

ويشرعُ في قصيدته يُعدد ما يُمكن أن يُقدمه لمحبوبته، التي فاقت كلَ حسن، فيكشفُ أن كل ما يمكن إهداؤه يصغُر لا محالة أمام جمالها الفتان، فيقول : 

أسوارًا أم دُمُلجا من نُضارٍ لا أحبُ القيودَ في مِعصَميك

أم وُرودًا والوردُ أجملُه عندي الذي قَد نَشقتُ من خَديك.

ولا يختلف الفرح بالعيد بين جنس وآخر، فالكلُ يفرح بقدومه فها هي غادة السمان تقول في روايتها “ليل الغُرباء”:

“والعيد مُستمرٌ، العيدُ يبقى، والأطفالُ فقط يتبدلون”.

فتكشف أن حالة الفرح والبهجة التي تشع من عيون الأطفال في هذا اليوم دائمةٌ ولا تتغير، مُؤكدة أن فرحتها بالعيد وهي صغيرة ما زالت ذكري تُداعب خيالها، وكيف أنها كانت تفرح بالملابس الجديدة، والحلوي، و”العيدية”

ومن الشعراء من جعل العيد ذكري لقضيته التي يُسخر لها أدبه وكلَّ جوانحه فيقول أمل دنقل : 

قلتُ لكم مراراً..

إن الطوابير التي تمر..

في استعراض عيد الفطر والجلاء

فتهتـــفُ النساء في النوافذ انبهاراً

لا تصنع انتصاراً.

وحيث إن العيد مناسبةٌ سعادة، وموعدٌ للفرح والسرور، وجدنا شعراء، يعبرون عن مدي ما يشعرون به من تأسفٍ وأسي لقدومه ونفوسهم مملوءةٌ بالحزن والوجل اللذين حالا بينهما وبين السعادة.

فيقول المتنبي أمير شعراء العصر العباسي:

عيدٌ بأي حال عدت يا عيد… بما مضي أم بأمرٍ فيك تجديد

وهو مطلع قصيدة يهجو فيها كافور، بدأها يسألُ العيدَ بماذا عاد عليه.. هل بالهموم والأحزان التي تعوّد عليها منذ تواجده في مصر، أم بشيء آخر يُغير حالته السيئة.

كما أن الشاعر العراقي العبقري معروف الرصافي الذي حرك كوامن النفس بقصائد خالدة، عبّر فيها عن موضوعات كانت من الأهمية بمكان مثل  الفقر والاضطهاد والحرية وغيرها، يصف لنا صباح العيد كما يراه، فيقول:

صبــاحٌ به يكسو الغنيُّ وليـــده

ثياباً لها يبــكي اليتيم المضَّــيع

صباحٌ به تغدو الحلائلُ بالحُلـى

وترفضُّ من عين الأرامل أدمع

ألا ليـــت يوم العيد لا كان إنــه

يجدد للمحزون حزناً فيجــــزع

يُرينا ســـروراً بين حزن وإنما

به الحزن جدٌّ والسرور تصنُّـع

وعن نفس المعني عبرت إنعام كجة جي في روايتها “الحفيدة الأميركية” وهي تتحدث عن العراق : “هل تفرحُ في العيد أعينٌ تنامُ على فزع وعليه تستيقظ؟”.

فتكشف عن مدي لوعتها لقدوم تلك المناسبة السعيدة وبلادها تعاني القذف والخراب !

واللافت أن بعض الشعراء والكتاب علق آمالا عريضة علي تلك المناسبة السعيدة، فها هو الأديب اللامع الدكاترة زكي مبارك يُعبر عن عذاب السهاد والوجد راجياً أن يُعيد له العيدُ بعض ما فقدتْ روحُه من ماء فيقول:

يا خاليَ البال من وجدي ومن شغفي ..ونائماً عن عذاباتي وتسهيدي

لا تجعل العيــــــد في لألاء نضرته .. يوماً يراع بأحزانٍ وتنكيــــد

لا تذد بالصــد عنه مهجةً ظمئــــت .. العيد للروح مثل الماء للعـود

وليس من نافلة القول أن  مفهوم ” العيد” هو أحد العناصر المؤثرة في تشكيل أغلب قصائد الشعر العربي خاصة في شعر المناسبات والتهنئة ، لارتباطه بمظاهر البهجة والسرور والفرحة والحبور، وكل مظاهر التضامن الاجتماعي، وبعيدا عن القدماء الذين صالوا في هذا الميدان، نجد من المعاصرين من عبّر عن تلك المناسبة السعيدة أبلغَ تعبير ومن هؤلاء الشاعر أحمد محرم الذي ذكر العيد في إحدي قصائده الحماسية حيث قال:

حيّـــــــــوا الهلال وحيّوا أمة النيل

واستقبلوا العيدَ عيد العصر والجيل

 وعن علاقة شعراء عصرنا الآني بالعيد يؤكد الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة، أن عيدَ الفطر يُذكره بطفولته التي كان يقضيها وسط عائلته، فيحرص على الاستيقاظ مبكرًا لارتداء ملابس العيد الجديدة، والخروج للحاق بصلاة العيد في الساحة الواسعة.

وأضاف أبو سنة أنه بعد صلاة العيد، يذهب مع أسرته لزيارة مقابر أقاربهم، وبعدها، يعود إلى المنزل، يستقبل الزوار من الأهل والأقارب، موضحًا أنه الآن يقضى أيام العيد كلها مع أسرته في البيت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى