إجناثيو فولش: السخرية سلاحٌ قادرٌ على كسر المنظومة النمطية في الفكر

الأدب الفُكاهى يَجُب أيَّ لونٍ أدبى خلافه

صبري الموجي| القاهرة

حول رأيه عن المشهد الإبداعي الإسباني، التقينا الكاتب الإسباني إجناثيو بيدال فولش ليلقى الضوء على المشهد الإبداعي الإسباني في الوقت الراهن بحضور إدوارد كالبو مدير المعهد الإسباني بالقاهرة، ولفيفٍ من المثقفين، وترجمت اللقاء عن الإسبانية د. عبير عبد الحافظ أستاذ الأدب الإسباني بجامعة القاهرة

فى البداية أعرب إجناثيو عن سعادته وأمنيته أن تنال محاضرته رضا الحضور، وأكد أنه كان يريد أن يرحب بالحضور على طريقة الكاتب والرسام الإسباني الشهير “سلفادور دالي” بأن يأتي برغيف خبز طويل يلفه حول رأسه كالعمامة ويحيي الحاضرين.

وقال إجناثيو إن سلفادور لما سافر أول مرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1941م، أراد أن يترك مشهدا ذا تأثير قوى، فطلب أن يُصنع له رغيفٌ من الخبز يبلغ طوله ثلاثة أمتار كنوع من الدعاية له والتعريف به، وظل هاجسُه الوحيد وشغُله الشاغل في الطائرة ألا يُكسر هذا الرغيف، رغم أنه ترك أولاده وعائلته وبلده، ولم يشغله كل هذا عن هدفه الأول وهو ألا يُكسر رغيف الخبز !

وأكد إجناثيو أن سلفادور كان، إلى جانب كونه رساما بارعا، كاتبا ساخرا من الطراز الأول، مُشيرا إلى أنه هو شخصيا، قرأ نصوصه التي كانت على قدر كبير من السخرية، وقد استفاد منها شأنه شأن بقية المجتمع الإسباني الذى كان بحاجة إلى استنهاض روح الدعابة في فترة هيمنت عليها التعاسةُ والكآبة.

ودلل إجناثيو على إعجابه بسلفادور دالي بتأكيده أنه توجد في مكتبته مجموعة من الكتب المُهمة الأكثر تأثيرا وتسلية منها كتاب دالي (سر حياتي)، مُستشهدا منه بعبارة استهل بها دالي كتابه تقول: أعتقدُ أن قرائي جميعا قد نسوا أهم فترات حياتهم، وهى الفترة التي كانوا فيها في أرحام أمهاتهم، أما أنا فبالنسبة لي أذكُرها جيدا كما لو كانت بالأمس!

وأضاف إجناثيو أن هذه العبارة تشى بحدة ذكاء دالي، فإذا كان القارئ عاجزا عن تذكر فترة وجوده برحم أمه، فإنه – يقصد دالي- لا يجهل كل شيء عن هذه الفترة مثل الآخرين بل يوجد ما يتذكرُه.

وأشار إجناثيو إلى أن كتاب دالي هو كتابٌ ساخر صنفه صاحبه لينعم قارئه بالضحك كلما قرأه .

وعن أصل الضحك وسببه، أكد إجناثيو أن هناك دراسات أثبتت أنه مجرد رد فعل يرتبط تحديدا بفكرة الإحساس بالخطر، الذى بمجرد أن يتجاوزه الإنسان تبتهج أساريرُه، وتبدر عنه القهقهة والضحك، الذى تظهر ملامحُه على الوجه كله.

ثم يلفت إجناثيو إلى ما يسمى بـ ( الضحكة المتوحشة) التي تظهر على الوجه، ويمكن ملاحظتها تاريخيا على مستويين، ففي القرن 19، سيطرت على الأنظار صورة إنسان يُعذب، ويتعرض لأذى جسدي، وخلفه مجموعةٌ تضحك، وهى الفكرة المُشابهة لصورة تعذيب المسيح عليه السلام، حيث كانت هناك مجموعةٌ خلفه لا تكفُ عن الضحك بنفس الصورة الوحشية.

واستشهد إجناثيو على ما يقول بخطاب المؤلف الموسيقي النمساوي “موزارت” أثناء وجوده في إيطاليا لأبيه المُقيم بفرنسا، والذى حكى فيه كيفية إعدام أحد الصعاليك أو المجرمين الضعاف، وكيف أنهم قضوا الوقت في سعادة ومرح من تلك الصورة الهزلية بزعمهم، وفى هذا يقول إجناثيو : وهنا يبرز مدى التناقض بين شخصية موزارت الرقيقة وسعادته بمشهد التعذيب !

وعن بداية ظهور الدعابة في الأدب عامة، قال إجناثيو إنها ظهرت في آسيا الصغرى منذ مئات السنين، وكانت عبارة عن أهازيج ومشاهد بدائية من مسرحيات مُضحكة تُقام عقب ولائم يتجمع فيها الناس، ليعرضوا الأحداث اليومية، وينتقدوا فيها الحياة، وغالبا ما كانت تنتهى تلك المشاهد بموت البطل، والمعنى أنهم كانوا يعرضون الحياة عبر تلك المشاهد من وجهة نظرهم.

واستأنس إجناثيو في تفسيره للضحك برأي قدماء الإغريق، حيث ساق عبارة للفيلسوف أرسطو أكد فيها أن الضحك استعدادٌ ضمني داخل النفس، يتحقق من خلال أقوال بليغة أو حركات بهلوانية أو نكات فتنطلق الضحكات؛ وبذلك يُعتبر وسيلة لتأمل الواقع من وجهة نظر أخرى.

واستشهد إجناثيو بما قاله أرسطو فى الفارق بين الكوميديا والتراجيديا، التي هي عبارة عن مجموعة من المشاهد المأساوية تعرض لأيام مُتتالية، ويشاهدها الجمهور دون أن يكف عن البكاء، الذى يكون تنفيسا عما بداخله من يأس وحزن وطاقات سلبية.

وعن وجه الشبه بين رواية “إكو” وما كتبه أرسطو فى دفاتره، قال إجناثيو إن الكاتب الإيطالي “أومبيرتو إكو” شبه في نهاية روايته البوليسية ( اسم الوردة) البطل الشر أو البطل الضد، وكان قسا مسيحيا، بإحدى شخصيات أرسطو حيث قام بحرق الكتب والدير ونُزل الرهبان؛ حتى لا يصل كتابُ أرسطو لأحدٍ من القراء والجمهور؛ لأنه يراه من خلال السخرية وروح الدعابة والاستعارة يستدعى الصفات الدنيا في شخصية الإنسان بشكل عام.

بمعنى آخر يقول إجناثيو :إن الصورة التي ساقها أومبيرتو تعكس أن السخرية سلاحٌ قوى وقادر على كسر المنظومة النمطية؛ باعتبارها ثورة عارمة تتنامى فى النفس، وتصعد مُحطمة النمط والشكل التقليدي للمنظومة الفكرية، مُستشهدا بالأحداث فى روسيا، فعند انعدام الحوار السياسي الديمقراطي بسبب هيمنة الديكتاتورية، لم يجد الشعبُ بُدا من إطلاق النكات الساخرة اعتراضا على الواقع المعيش، واستدل على ذلك بـ (راديو ريبل) حيث كان الشعب يوجه له الأسئلة التي لا يقدر على أن يوجهها للنظام، والمعنى أن هذا الراديو كان من صُنع الشعب من أجل إشاعة روح السخرية في ظل نظام شمولي ديكتاتوري قمعي، والمُضحك أن الناس كانت تعرف أن الواقع خلاف ما يُذيعه ذلك الراديو، لكنهم اتخذوه وسيلة للسخرية والتسلية.

ثم تحدث إجناثيو عن مدى إعجابه برواية (الطاعون) للكاتب الفرنسي ألبير كامو، التي تأثر بها كثيرا، وكانت سببا في احترافه مهنة الكتابة.

وقال إجناثيو : إن (الطاعون) أو (الوباء) رواية على قدر كبير من الأهمية بالنسبة له ولغيره، وبالتالي حصلت على جائزة نوبل، وتدور أحداثها فى وهران بالجزائر، حيث تُهاجم جحافل من الفئران المدينة، فتنشر مرض الطاعون الذى يتوفى بسببه أحد الأشخاص.

وعن صدى رواية (الطاعون) في الأوساط الثقافية، قال إجناثيو إن أحد النقاد كتب مقالا نقديا عن تلك الرواية أكد فيه أنها تُعبر عن عبث الحياة، ووحدة الفرد إزاء الكون، لكن “ألبير كامو” اختلف مع ذلك الناقد، وترك للقارئ الحرية في فهم الرواية حسب مفهومه الشخصي، دون أن يُصادر فهم أحد، مُؤكدا أنه قصد من تلك الرواية خلق تعبيرٍ مجازىٍ عن الحياة في باريس خلال الحقبة النازية، وهى فترة انتشار هذا الوباء، وتطرح أسئلة حول ماهية القدر والوضعية الإنسانية.

وقال إجناثيو إن شخصية (جراند) هي ما لفتت انتباهه في رواية (الطاعون)، وكان جراند موظفا بسيطا يعمل فى البلدية، وانفصلت عنه زوجته، أي أنه كان عنده كثيرٌ من المشاكل، ورغم هذا بمجرد ظهور الوباء، سارع بتقديم المساعدات ونقل الجثث ومُساعدة المحتاجين.

وكان جراند يهدف إلى جانب تلك المساعدات كتابة رواية عظمى تبدأ بقوله: في هذا الصباح الجميل سنركب (الكاريته) ونتهادى بها، وهى عبارةٌ لم يكن مُقتنعا أن يبدأ بها روايته، فكان يبحث عن عبارة أخرى تحل محلها خلال فترة انتشار الطاعون، وأخيرا هداه تفكيرُه إلى أن يستعيض عن لفظ الأناقة بلفظ الرشاقة الأنسب مع مركبة تتحرك.

وفى النهاية يُصاب جراند بالعدوى، ويزوره أصدقاؤه، فيطلب منهم أن يحرقوا مخطوطاته التي لم تكتمل؛ بدافع أنه كان يبحث عن الكمال في كل شيء، ومادامت تلك المخطوطات لم تكتمل فالأولى بها الحرق.

وقال إجناثيو إن الشخصية الوحيدة التي يذكرها من رواية كامو هي “جراند”، تماما كما يذكر شخصية الشخص خفيف الظل فى رواية “مدام بوفارى” لفلوبير، وهو ما يفسر أن الكوميديا هي التي تأخذ بتلابيب الذاكرة أكثر من أى لون كتابي آخر!

واستدل إجناثيو على أثر الكوميديا بقوله: لا يمكن لأحد أن يتذكر كُتابا آخرين ظهروا في حقبة “مولير” الفرنسي، و”ثربانتس” الإسبانى، والسبب أنهما كانا يميلان إلى السخرية والدعابة والفكاهة التي تجُبُ أي لون من ألوان الكتابة الأخرى.

كما تذكر إجناثيو فى حديثه الكاتب التشيكي الفكاهي “ميلان كونديرا”، حيث أشار إلى أهم كتبه: ( الضحك والنسيان )، و( دعابة )، و( حب الحمقى )، مُبينا أثر الدعابة فى تلك الكتب وتأثيرها على الأشخاص من منظور علم النفس، واستشهد إجناثيو بحوار دار بين كونديرا وشخصية سينمائية معروفة، حيث سألت تلك الشخصية كونديرا : هل تعتقد أن نهاية العالم اقتربت؟ فأجاب كونديرا: هذا يتوقف على مفهومك لمعنى الاقتراب، مُعلنا أن نهاية العالم مادامت هاجسا يروع الإنسان ويشغله منذ مئات السنين، فإنها ستحدث لامحالة يوما ما .

ولفت إجناثيو الانتباه إلى الأديب المكسيكي “أوكتافيو” الذى تحدث عن السخرية مُؤكدا أنها اختراعٌ يُطبق فى الأدب، والدليل أن رواية ( دون كيشوت ) لثربانتس تجعل الإنسان يضحك لا لوجود عبد أسود مُعلق، لكنها تُضحك لهيمنة روح الكوميديا على أجوائها، فالإنسان يضحك من الحياة، ومن نفسه، فالدعابة إذن هى سرٌ من أسرار الرواية، وسمة من سماتها، والخلاصة يقول إجناثيو إن الرواية الحديثة فكاهية إلى حد بعيد، وتعتمد على النسبية وكسر النمط.

وتدليلا على اهتمام الكُتاب المحدثين بالدعابة، قال إجناثيو إن كونديرا قام بعمل دراسة عن عناصر الفكاهة والسخرية عند “ثربانتس”، فذكر بعض المشاهد التي تتحقق فيها الدعابة والسخرية إلى حد كبير، مُستشهدا بفصل “كهف منتسينوس”، والذى يخرج منه دون كيشوت، ذلك البطل الذى كان يرى الأشياء على عكس ما هي عليه، ويحكى أعاجيب لا يمكن تصديقُها، فكان يختلق الخيال ليصدقوا مقولاته، والمُضحك – كما يقول إجناثيو – أنه كان من بين المُستمعين لـ”دون كيشوت” أحد المجانين الذى خرج مُندهشا لا يصدق ما سمع صائحا : بل أنت الذى اخترعت تلك المشاهد لنصدقك، والمعنى أن المجنون عاد إليه عقله لما رأى تلك المشاهد!

وطرح إجناثيو مثالا آخر على أثر السخرية، فقال إن الكاتب الأيرلندى “جيمس جويس” في نفس الوقت الذى كان يكتب فيه رواية “عوليس” كانت هناك معركةٌ كبرى بين الألمان والفرنسيين، وحيث إن جويس كان نصف أعمى فكان يحتاج إلى سكرتير يساعده، وكان يأتي إليه ذلك السكرتير مُنهارا قائلا : هناك معركةٌ هائلة بين الألمان والفرنسيين، وفى اللحظة التي دخلت فيها الدبابات الألمانية يتراجع الفرنسيون، فيرد جويس هيا بنا نتابع ما فعله “عوليس”.

وهنا عقد إجناثيو مقارنة بين “جراند” فى رواية “كامو”، وشخصية جويس، حيث اتفق الاثنان في فكرة الانكفاء على الذات، والانغماس فى العالم الخاص وترك العالم المحيط، ولكنّ ثمة فارقا وحيدا بينهما وهو أن جراند حرق المخطوطات ، بينما أخرج جويس ” عوليس”.

وختم إجناثيو: تلك كانت أهم الملاحظات عن السخرية والدعابة في الأدب، تاركا المجال للحوار والنقاش.

المداخلات

وفى مُداخلة الكاتب الصحفي بالأهرام محمد حربى رحب بالكاتب الإسباني والحضور، وعقّب بأن الكاتب لم يُبين الفارق بين التراجيديا والكوميديا، مُتسائلا هل الكوميديا ابنة البشر، في مقابل فكرة الألوهية الأقرب إلى التراجيديا، وهل السخرية ظهرت في الرواية بعد الحداثة، أم ترجع إلى الأصول الأولى في الكتابة أي قبل الحداثة؟ وهل السخرية سلاحٌ نواجه به التكرار والنمطية، وسطوة نظام وخلافه ؟ وأيهما أبقى الكوميديا أم التراجيديا خاصة أن هناك تراجيديات خالدة مثل ” هاملت” للكاتب الإنجليزي شكسبير؟

وجاءت إجابة إجناثيو بأن هناك عددا كبيرا من الكُتاب الإسبان تقوم رواياتهم على الدعابة والسخرية، وتلك أكثر الروايات التي تعجبه، بينما هناك كُتابٌ آخرون يكتبون روايات تتسم بقدر كبير من الحرفية والصنعة، لكنها لا تروق له لأنها لا تمُت للدعابة والسخرية بصلة .

وفى تعقيبه عن مكانة شكسبير، رد إجناثيو بأن شكسبير كاتبٌ مسرحي ولم يكن كاتب رواية، مُشيرا إلى قصة طريفة وقعت بين “تشيكوف” و”تولوستوى”، حيث قال “تولوستوي” لـ”تشيكوف إن قصصك القصيرة رائعة وتُعجبني، أما مسرحك فمثيرٌ للـ” قرف” والاشمئزاز إنه أسوأ من مسرح شكسبير.
واستفسر إدواردو : أيُشترط علي الكاتب حين يكتب كتابا ينتزع به الضحكة من فم القارئ، أن يكون مُبتسما وهو يكتبه؟

فرد إجناثيو إن الكتابة في البداية والنهاية عملٌ لابد وأن يكون الإنسان سعيدا وهو يعمله؛ لأنه إذا عمله وهو غير سعيد فلن يكون جيدا، ومن خبرته بالعمل في الصحافة والأدب، أكد إجناثيو أنه حينما كان يكتب خبرا للصحافة تظهر على وجهه الابتسامة، فتسأله زوجته: لماذا تبتسم وأنت تكتب؟ فيجيب أتذكر القراء الذين لو قرأوا ما أكتب بعيني فسيفهمون ما أريد، ويضحكون كما أضحك.

وفى مداخلة الكاتب الصحفي محسن عبد العزيز، طرح سؤالا يقول: هل السخرية ترجع إلى طبيعة الكاتب أم إلى العمل نفسه؟

فأجاب إجناثيو بأن هناك نوعين من الكتاب: ساخرين أصحاب صنعة مسلكهم الإبداع مثل عدد من الكتاب الإنجليز، بينما هناك كتابٌ آخرون يستخدمون الفكاهة ويوظفون الدعابة في الأعمال الأدبية، واستشهد برواية ” مدينة العجائب” لـ ” إدواردو ” مُؤكدا أن الكاتب يمكن أن يُوظف الكتابة فتأخذ جانب السخرية رغم أنه قد لا يكون كاتبا فُكاهيا، والمعنى يقول إجناثيو أن الكتب أفضل من كُتابها، فبعض الكتاب يخلق اللون الأدبي الذى يريده، حتى ولو كان هذا مُخالفا لطبيعته، كما أشرت أنت للكاتب المصري الساخر أحمد رجب.

ثم طرح رجاء موسى سؤالا عن مستقبل السخرية في الأدب وهل هناك رؤساء مدعاة للسخرية؟

فأجاب إجناثيو أن مستقبل السخرية في الأدب بالنظر إليها من فوق يراها تتنامى وتأخذ حيزا واسعا من بساط الأدب، وهو ما أكده من قبله “نابوكوف” صاحب رواية ” لوليتا”.

وفيما يتعلق بسؤالك هل هناك رؤساء مدعاة للسخرية، يقول إجناثيو نعم هناك رؤساء كذلك مُستشهدا بـ “موران”، حيث كان يلبس ” بابيون” جعله مجالا للتندر والسخرية، وإذا كان الأمر كذلك مع موران، فإن برامج السخرية التى أعدت ضد “ترامب” حشدت إليه جمهورا من المؤيدين والمتعاطفين، على عكس ما كان يريد أصحابُها تماما.

واستفسر د. حسين البنهاوى الأستاذ بجامعة عين شمس عن إلى أي حد مثل “ثربانتس” روح الشعب الإسبانى، بمعنى هل يمكن فهم الشعب الإسبانى من أعمال “ثربانتس”؟ وما هي وظيفة الأدب الآنية ؟

فرد إجناثيو على السؤال الأول بأننا كنا فى إسبانيا نحب أن نرى الحقائق بعين الـ”دون كيشوت” وليس بعين تابعه “سانشو”.

وعن وظيفة الأدب أجاب إجناثيو: بأن ذلك سؤالٌ صعب، وعن نفسه فهو مُتشككٌ هل للأدب وظيفة، لكنه يؤكد أن الأدب يوفر الصحبة الجيدة، أي أنه يُتيح للقارئ لقاء مجموعة من الشخصيات الصادقة التي يمكن أن يتحاور معها أفضل من حواره على الحقيقة !

وعن سؤال الكاتب محمد حربى عن سبب اختلاف الأدب الساخر من إقليم لآخر، وهل للطبيعة الجغرافية والسكانية دورٌ فى ذلك، قال إجناثيو، إنه سؤالٌ صعب أيضا؛ لأن الدعابة شيء كونى عالمي، والرواية التي تعتمد على الدعابة متى ملكت أدواتها ستقوم لا محالة بدورها المتمثل في الإضحاك، سواء كانت في نفس إقليمها أو أي إقليم آخر، بمعنى أنه يصعب القول بأن المنطقة التي ينتمى إليها الكاتب هي التي تؤثر في كتابته الساخرة، وهذا لا ينفى أنه توجد مناطق تكون مُحفزة للسخرية والنكات، سواء فى إسبانيا أو مصر أو أي مكان، فمثلا هناك نكاتٌ عندكم عن ” الصعايدة”، كما عندنا نكات على إقليم” قطالونيا” عن الأديرة والقساوسة، وأشار إجناثيو إلى أن ثمة فارقا بين ترجمة الرواية وترجمة الشعر، فالروية حتى لو تُرجمت ترجمة رديئة فسيفهم القارئ الدعابة المقصودة، أما الأمر فيختلف مع الشعر ؛ لأنه يحتاج إلى ترجمة دقيقة.

وعن السؤال هل تطول السخرية الأسرة الملكية في إسبانيا، أجاب إجناثيو بأنه توجد سخرية بالفعل طالت العائلة المالكة، ولكن الشعب نفسه هو الذى رفع قضية على هؤلاء الكتاب الساخرين؛ نصرة للأسرة المالكة.

وعن علاقته بالكرة، أكد أنه يشجع برشلونة، وريال مدريد.

وطرح الصحفي سعد سلطان سؤالا عن أثر الثقافة الإسبانية على المغرب العربي، فأجاب إجناثيو بأن وجود الاحتلال الفرنسي ببلاد المغرب العربي جعل تأثير الفرنكوفونية أشد من الإسبانية رغم قرب المنطقتين، أما إدواردو فأجاب : من واقع عملي لفترة ببلاد المغرب العربي أرى أن الأمر يختلف في شمال المغرب عن جنوبه، فسكان الشمال أكثر تأثرا بالإسبانية، أما الجنوب فأشد تأثرا بالفرنكوفونية.

وعن سؤاله هل تتوقع أن تصير السخرية علما فى المستقبل، ضحك إجناثيو بملء فيه، مؤكدا بأنها لو صارت علما يدرس فى المدارس فإن هذا سيخلق أطفالا أكثر سعادة.

وعن تنامى لون السخرية، قال إجناثيو إن هذا اللون الفني مُكتسبٌ، واستشهد بأنه كان كاتبا دراماتيكيا جادا لا يعرف الدعابة، ولكنه قلّد أحد أصدقائه الظرفاء، وكان هذا الأمر شاقا عليه فى بادئ الأمر، لكنه أخذ يُتقنه شيئا فشيئا حتى صار من كُتاب هذا اللون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى