الفيوم ضحيةُ الإهمال !

صبري الموجي| رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

  في رحلة لمدينة الفيوم – كان مُقررا أن تمتد 3 أيام لتغطية فعاليات مؤتمر أدبي حاشد بصحبة جمعٍ غفير من أدباء الأقاليم، طمحتُ أن أنعم في تلك الرحلة بطبيعة الفيوم البكر وجمالها الخلاب، جاء الواقع مغايرا تماما لما طمحت له النفس، وسافر إليه الخيال؛ إذ قطعتُ تلك الرحلة مضطرا؛ بعدما ألفيت يدَ الإهمال قد طالت صفحة تلك المدينة الساحرة فرسمت عليها صورا عديدة من الدمامة والقبح الذي شوه معالمها، وأذبل نضارتها، وتركها شبحا خائر القوي، يعاني الموت رغم أن قلبه مازال ينبض بالحياة !

والفيوم هي إحدي محافظات شمال الصعيد التي حباها الله موقعا ضَمنَ لها الخصوصية والتفرد إذ تُحيطها الصحراء من ثلاثة جوانب باستثناء الجنوب الشرقي حيث تلتصق ببني سويف، كما منحها الله معالم سياحية ومقومات طبيعية جعلتها مهوي أفئدة السياح سواء في مصر أو الخارج، وقديما كانت الفيوم مقصد ( علية القوم ) من قاطني القاهرة لقضاء أوقات جميلة بين الرياض الغناء والهواء الصحو والشمس الساطعة وخرير الماء المنحدر من السواقي الهدَّارة، ونسمات الهواء الندي التي تصافح وجوه مُستأجري المراكب الشراعية التي تجوب بحيرة قارون الساحرة وتتلاعب بجانبها أنواعٌ عديدة من الأسماك كانت مصدر دخل آلاف الصيادين.

ومن معالم الفيوم أيضا محميتا وادي الريان والحيتان وغيرهما من المزارات السياحية التي أكسبتها جمالا وتفردا عبر تاريخها الطويل.

والمؤسف أن هذه المدينة شأنها شأن كثير من معالم مصر البارزة لم تنجُ من يد العابثين الذين صوبوا لها طعنة غائرة تركتها تلفظ أنفاسها الأخيرة في غيبة مسئولي المحافظة الذين كانت آذانهم إحداها من (طين) والأخري من (عجين)، دون البحث عن حلول ناجعة لمشكلات تلك المحافظة ؛ حتي تبقي مرفوعة الهامة ومفخرا للأجيال.

فأول ملمح من ملامح القبح التي شوهت تلك المدينة المهيضة هو تحولُ لون مياه بحيرة قارون من فضي أبيض يسرُ الناظرين إلي أسود قاتمٍ تكثُر به بقعٌ خضراء محملة بالطحالب بعدما صارت تلك البحيرة مصبا للصرف الصحي؛ نتيجة عدم وجود مشروعات للصرف بتلك المدينة البعيدة عن أعين المسئولين وآذانهم.

إن كثيرا من أصوات صيادي تلك المحافظة قد بُحت دون أن يرق لهم قلبُ مسئول أو يحرك لهم أحدٌ ساكنا !

واللافت بل المفجع أنك تجد علي شاطئ تلك البحيرة عشراتٍ من المراكب الشراعية المُعطلة، التي تركها أصحابها واحترفوا مهنا أخري بحثا عن لقمة العيش.

إن محافظة الفيوم تعاني مشكلة حقيقية وفقرا مدقعا فبعدما كانت تنتج بحيرة قارون نحو 4410 أطنان من السمك سنويا تقلص ذلك العدد ليقل عن 6 أطنان سنويا، وذلك بسبب مياه الصرف الصحي التي لم تجد مصبا سوي هذه البحيرة؛ مما تسبب في نمو الحشرة الطفيلية المتوحشة المسئولة عن انقراض 4 أنواع من الأسماك كانت بتلك البحيرة من قبل، واختفاء أكثر من  1400 مزرعة سمكية كان يعمل بها أكثر من 5000 صياد، تركوا مهنتهم ولاذوا بالفرار.

والسؤال : هل ستجد لوحة تلك المدينة الشائهة استجابة فنان يُعيد إليها رونقها وجمالها أم ستظل تعاني القبح والإهمال !    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى