الوباء أم البلاء؟ نظرة إلى الأحداث من داخل أمريكا

أ.د. فيصل رضوان أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية وعضو بمجلس الحاكمين، كنجزغرانت- شارلستون-ولاية كارولينا الجنوبية.جامعة سوهاج مصر -والمعهد القومي للمحيطات الولايات المتحدة الأمريكية

وكما كان القتل البشع لخالد سعيد على يد افرادا من الشرطة فى مدينة الإسكندرية بمصر ، سببًا فى إندلاع ثورة متكاملة الأركان، أدت الى كسر الجمود والخوف وتغير نظام شمولي حكم مصر ثلاث عقود حتى عام 2011؛ كان مقتل جورج فلويد صادمًا للجميع. على النقيض، ورغم ضراوة المشهد الا أنه لم يكن مفاجأة لدى الأميركيين الأفارقة.
جاءت وفاة جورج فلويد بعد وفاة برونا تايلور ، فنية الطوارئ الطبية التى أطلق النار عليها ثماني مرات على الأقل داخل منزلها في لويزفيل بولاية كنتاكي، على يد رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية ، وأحمود أربري ، قُتلت في مواجهة مع ثلاثة رجال منهم ضابط متقاعد، حيث كان يركض للرياضة في برونزويك ، جورجيا. حتى صيحات فلويد المؤلمة، قبيل قتله، كانت مألوفة ، نفس الكلمات التي قالها إريك غارنر، قبيل قتله ايضاً في زاوية شارع ستاتن آيلاند في عام 2014: “لا أستطيع التنفس”.
ومع ذلك ، فقد أدى توقيت ووحشية وفاة فلويد ، التي تم التقاطها في مقطع فيديو مروع يظهر ضابط شرطة مينيابوليس الأبيض ديريك تشوفين وهو يضع ركبته بقسوة على رقبة الضحية ، إلى انتفاضة وطنية شاملة. ومنذ وفاة فلويد في 25 مايو ، اندلعت المظاهرات في عشرات المدن في جميع أنحاء البلاد حيث يتظاهر النشطاء المخضرمون والحلفاء الجدد من كل الأعراق على حد سواء من أجل قضية العدالة العرقية.
 
وكانت الغالبية العظمى من الاحتجاجات سلمية ، مع مطالب بسيطة مكتوبة بخط اليد على قطع من الورق المقوى. لقد طفح الكيل. توقفوا عن قتلنا. العدالة لجورج فلويد. وقد لقيت هذه النداءات صدى في جميع أنحاء العالم ، منتجة عبارات تضامن من أوروبا إلى نيوزيلندا.
بينما أثار البعض من هذه الاحتجاجات اضطرابات على نطاق لم تشهده امريكا منذ اغتيال مارتن لوثر كينج، زعيم حركة الحقوق المدنية في عام 1968. حيث أحرق المحتجون دائرة شرطة في مينيابوليس ، وأحرقوا سيارات شرطة في لوس أنجلوس وأتلانتا ، وتصاعدت أعمدة الغاز المسيل للدموع فى ارجاء كثيرة لتفرقة الناس. وبحلول 2 يونيو ، تم استدعاء الحرس الوطني (قوات مدنية لها تسليح وتدريب الجيش، تُجندها كل ولاية لحالات الطوارئ والحماية المدنية) في 28 ولاية على الأقل ، وفرضت عشرات المدن حظر التجول لقمع النهب والحرق العمد وتشنجات الغضب والعنف. وكما يحدث فى معظم دول العالم— تشتعل النار بين الشرطة والشعب حين يتباطأ القادة في الكلام رغبة فى تفويت الفرص. وهنا قاومت الشرطة الحشود ، وأطلقت الرصاص المطاطي على الصحفيين وضربت المواطنين الذين يمارسون حقوقهم الدستورية (التعديل الأول) بسلام.
طيلة شهرين ونصف قبل هذه العاصفة، أصيبت الولايات المتحدة بالشلل بسبب جائحة الكورونا ، حيث كانت شوارعها فارغة إلى حد كبير. هذا عكس ما نراه الآن، حيث انتشت الطاقة المكبوتة، وتنفس القلق وهب الغضب من كل حدب، حينما شاهد الناس الظلم. وعلى الرغم مما نتفاخر به من حقوق إنسان، فقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن عدم المساواة العرقية الأوسع في البلاد. حوالي 13 ٪ من سكان الولايات المتحدة هم من الأمريكيين الأفارقة. ولكن وفقًا لبيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية CDC ، فإن 22٪ من المصابين بـكوفيد-19 ، و 23٪ ممن ماتوا بسببه ، هم من السود. وتثبت الأرقام أن 44٪ من الأمريكيين من أصل أفريقي فقدوا وظائفهم بالفعل أو عانوا من فقدان الأجور ، و 73٪ ايس لديهم اى مدخرات لتغطية النفقات ، ذلك وفقًا لمركز بيو للأبحاث Pew Research.
وكما يصف أليكس التمان الصحفي فى مجلة تايم، انه إذا كان ذلك الفيديو الوحشي هو عود الثقاب وكان الفيروس التاجي هو علبة الكبريت ، فقد قدم دونالد ترامب الكيروسين، حتى تشتعل الأمور . منذ بداية ولايته ، حول الرئيس المكتب البيضاوي إلى أداة للتفرقة العرقية والثقافية بين الناس. هو نفس الرجل الذي انحاز مؤخرًا إلى مسيرة التفوق للعرق الأبيض white-supremacist march ، وذهب الى عداء مع لاعبي اتحاد كرة الذين يحتجون على وحشية الشرطة ، ووصف الدول الأفريقية بـ “دول قذرة sh-thole”، وحظر المسلمين دون غيرهم من الدخول، وأخبر نساء عضوات بالكونجرس الأمريكيين “بالعودة” إلى المكان الذي أتوا منه. وهو نفسه لم يخطو أبداً لمناشدة الوئام والحب يوما حتى الآن. بل إنه فور تأجج احتجاجات جورج فلويد ، وصف المتظاهرين بـ “البلطجية” ، ووصفهم بـ “الكلاب الشريرة” واستعار عبارة أشاعها رئيس شرطة ميامي والتر هيدلي العنصري فى ايّام مظاهرات أنصار مارتن لوثر كنج عام 1967: “عندما يبدأ النهب ، يبدأ إطلاق النار”.
وبالنظر إلى كم هذا الغضب الشعبي من تسويف الأمور المتعلقة بالمعاملات العرقية، فإن هذه المواجهة الصاخبة كانت متوقعة الحدوث؛ إن لم يكن قد أتت متأخرة قليلاً. وكما نتذكر أصداء شعار حركة مثل “كفاية” لمناهضة التوريث لحكم مصر كان لها الأثر لغضب الناس من مبارك، فيمكن القول إن الحركة من أجل العدالة العرقية؛ حياة مهمة Black Lives Matter صنعت قصة كبيرة في أمريكا حتى من قبل أن يأتي ترامب. بدأ شعار حياة مهمة مع صرخة احتجاج لشباب ضد التمييز، وازدهرت الفكرة حتى اصبحت قوة سياسية دافعة: فقد فاز الناشطون فيها بحقوق كبيرة لأصاحب البشرة السمراء، وشاركوا فى صياغة السياسة الفيدرالية ، والأهم انهم بذروا رسالتهم داخل المجتمع الطلابي بشكل خاص والثقافة الشعبية بشكل عام.
وكما تصف احدى عضوات الحركة: “ربما تم انتخاب ترامب لأن فريق Black Lives Matter كان موفقًا جدا؛ ترامب كان عقابًا لنا!!». إذا كان الأمر كذلك ، نعم فقد كان بالفعل. لقد كون ترامب بقعة مؤلمة في الجسد السياسي بشكل متواصل؛ لدرجة أنه لم يكن لديه سبب واحد يجعله يصغى الى الطرف الآخر، فهو الأذكى والأعلم بكل أمر، كما يظن.
وها هى المحصلة؛ أعمال شغب فى كل الأنحاء ، فيروس قتل أكثر من 100,000 أمريكي ، رئيس يهدد بإطلاق العنان للجيش على المواطنين – عالم يترقب ولا يستطيع اخفاء مشاعره!! كم يمكن أن تتحمل وهذه البلاد أكثر من ذلك؟ يبدو أن كل يوم يمر علينا في هذه السنة المرهقة كأنه قاع صخري ، وسلسلة متصلة من انفاق مظلمة بشعة. اختفت أكثر من 40 مليون وظيفة في 10 أسابيع. واحد من كل أربعة أمريكيين عاطل عن العمل. ويستمر الحساب.
هذا الاختبار المرير الذى يوافق الأشهر الأخيرة الحاسمة قبيل الانتخابات الرئاسية، يثبت طبيعة الصراع الإنساني منذ نشأة امريكا؛ حيث تمثل روح الحرية والمساواة القوة العظيمة، التى يمكنها أن تدفع جانبًا جائحة فيروسية نادرة الحدوث، من اجل المحافظة على حقوق إنسانية مكتسبة.
المراجع لمزيد من الاطلاع:
 
What Happened to Martin Luther King Jr.’s Last Campaigns. Time April 2, 2018.
 
Nearly 39 Million People Have Sought U.S. Unemployment Benefits Since Coronavirus Outbreak, Time May 21, 2020
 
Thousands in London Chant ‘Black Lives Matter’ While Joining Worldwide George Floyd Protests. Time June 3, 2020.
 
Why The Killing of George Floyd Sparked an American Uprising. Time June 4, 2020.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة متميزة يا دكتور ، ولكن هل تأثير هذه الاحتجاجات سيتوقف فقط عند تأثيره في الانتخابات القادمة أم سينتج عنه أمور أخرى ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى