أشباح عروضية وألم

مؤسس علم العروض الرقمي أ. خشان خشان/ الأردن

توهم الأشباح صنو الظلمة ببعديها البصري والبصيري.

في مجال (علم العروض) يؤلمني حقا الخلط بين الذاتي والموضوعي لدى الكبار من العروضيين العرب. هذا الخلط ناتج عن وفرة ذخيرة المعلومات التي يوفرها لهم عروض الخليل في غياب إدراك منهج الخليل لديهم. ثم تجازهم (العروض) وتكفي فيه ذخيرة تفاعيل الخليل إلى (علم العروض) والخوض فيه دون وعي على منهج الخليل.

هذا التجاوز اعتمادا على التفاعيل وهي أدوات المنهج في غيبة عن إدراك للمنهج كم أدى إلى الخلط لدى العروضيين والشعراء العرب.

علما بأنهم جميعا يحيطون بعناصر المنهج ولكنهم لا يجمعونها في إطار منهج الخليل الشامل الذي يحكمها. وذلك امتداد لما ساد الثقافة العربية من تغييب للتفكير وتقديم لمنهج الحفظ منذ فترة مبكرة شرعنةً لأوضاع ينقضها التفكير.

أخصص هذا الموضوع لشبح (أصل التفاعيل)

  • مفاعيلن 3 2 2 هي أصل التفاعيل

بقول بذلك السكاكي كما ذكر د. عمر خلوف:

وهذا ما يقول به خلف خازر الخريشة

  • متفاعلن (متْفاعلن = مستفعلن 2 2 3) أصل التفاعيل

هذا ما يقول به أ.د. أحمد محمد عبدالدايم

ويقول بذلك أستاذي د ضياء الدين الجماس

  • فاعلاتن 2 3 2  هي أصل التفاعيل

هذاما يقول به د. إبراهيم أنيس على ما ذكره أ.د. محمد عبد الدايم  

يؤسفني ـأن أجد نفسي أضرب الأمثال الساذجة لتسهيل إدراك أهمية المنهج (أو الرؤية الشاملة) في كل شيء ناهيك عن العروض الذي يغيب عنه هذا المفهوم تماما وهو بين علوم لعربية الأجدر بأن يكون الوعي فيه على ذلك واضحا لا تشوبه شائله بفضل فكر الخليل.

لمن يقيم في طوكيو ولا يعرف خارطة الكرة الأرضية أن يقول إن الشمس تشرق من طوكيو

لمن يقيم في دمشق ولا يعرف خارطة الكرة الأرضية أن يقول إن الشمس تشرق من دمشق

لمن يقيم في لندن ولا يعرف خارطة الكرة الأرضية أن يقول إن الشمس تشرق من لندن

وكل هذا صحيح.

ولكن لو قال أي منهم: إ”إن المطلع الوحيد للشمس هو أي من هذه المدن ” فقد ضلّ. وهو إذا قدمت له خارطة الكرة الأرضية وشرح له الأمر فسيدرك الصواب بيسر.

مثل خطإ هؤلاء الذين يجهلون خارطة الكرة الأرضية وقع فيه هؤلاء العروضيون الكبار لجهلهم بمنهج الخليل.

لو قال السكاكي

يمكن أن اشتق من مفاعيلن

 كلا من فاعلاتن ومستفعلن

لو قال أ.د. أحمد عبد الدايم

يمكن أن أشتق من مستفعلن

كلا من مفاعيلن وفاعلاتن

لو قال د. إبراهيم أنيس

يمكن أن أشتق من فاعلاتن

كلا من مفاعيلن ومستفعلن

لكانوا جميعا على حق.

لماذا قصر كل منهم أصل التفاعيل -السباعية على الأقل-على إحدى التفاعيل الثلاث ومنحها صدارة بين رفيقتيها؟

هو تلبيس حدود التفاعيل من جهة وعدم الوعي على منهج الخليل وبنيته في ساعة البحور.

عندما يتصدر شخص ما طاولة مستطيلة ففي ذلك إشارة غلى مكانته المييزة

من يتحلقون حول طاولة مستديره يكونون متساوين. وهذا شأن التفاعيل السباعية الأصلية.

أقول الأصلية تمييزا لها عن الناتجة ولا بأس هنا من استطراد بسيط حول الناتجة من تحول الوتد المجموع على المحور (9/8) في دائرة (جـ) إلى وتد مفروق في دائرة (د)

مستفلن عُ = مفعولاتُ                فالاع تن = مستفع لن           فام عيلن = فاع لاتن

الفارق بين منهج د. مستجير ومنهج الخليل هو أن مستجير ساوى بين مفعولاتُ وهي ناتجة  والتفاعيل الأصلية فكان ما كان من ازوراره في الطويل.  للجوهري موقف ملتبس حول مفعولاتُ له وعليه فهو ينكر وجودها أصلا  ولم يتطرق لكل من فاع لاتن و مستفع لن ولو أنكر أنها أصلية لأصاب. وأدرك الصلة بين المنسرح والرجز ولم يدرك ذات الصلة بين الحفيف والرمل ولا أدرك أنها ذاتها أيضا بين المقتضب والهزج وقصور إدراكة ناتج من تخييل التفاعيل

التفاعيل مجرد تجسيد لمنهج الخليل. وتجاوز العروضيين (العروض) إلى (علم العروض) بالتفاعيل منبتة عن المنهج يجعلهم يخبطون خبط عشواء.

من حيث قابلية الاشتقاق أو قل الانطلاق من إحداها وصولا لشقيقتيها فهذه التفاعيل سواء ومطلعها تجلس معا على طاولة مستديره.

ولا تميز لأي منها على سواها. والقول بأن إحداها خير من سواها وهم وتلبيس.

فهم منهج الخليل يبدد الوهم والتلبيس الذين يقع فيهما  من يرى أن الخليل قد اقتبس أو لفق العروض العربي من أعاريض أمم أخرى أنقل من موضوع العروض ليس علما:

العروض العربي هو مجرد أحكام جزئية – كما يتم تدريس العروض في أغلب مواضيعه  –  لا رابط بينها فإن اقتباس الخليل بل وتلفيقه  للعروض العربي من هنا وهناك ممكن وهذا ما ذهب إليه بعض الدارسين ومنهم :1 – عبد الله حسين جلاب[18]

“هل يمكن عقليا أن تكون عروض أحمد الفراهيدي مجرد أصداء سطوية لبنية العروض السومرية والبابلية والهندية ؟  ….. موضوعة ( خطاب الطين) ليست عما لدى ( الفراهيدي ) من سطوات شروعية مصدرها العروض البابلية والهندية ، بل الأمر يتعلق بإشكالية منظور نقدي تاريخي في عدم ملاحقة صفات الماضي النصوصية والمعرفي”

2 – نزار حنا الديراني[19] :  ” اوزان الخليل هل هي اندلسية ام سريانية مشرقية “

وقد جاء في ذلك المقال بعد أن استعراض صور بحر الطويل وزحافاته يقول:

“وهكذا الحال في بقية الابحر… فلنتساءل من جديد لماذا هذا الكم من الزواحف والعلل ان كان الخليل قد بنى قاعدته فعلا على الموروث الشعري، فلا بد لنا من دراسة الشعر قبل الخليل لنرى مدى التزام شعراء تلك الحقبة باوزان الخليل الصافية.

ثانيا- او ان يكون العروض قد ولد متكاملا او اشبه بالمتكامل في ذهن الخليل وان كان كذلك سيثير الاشتباه (كما يقول كل من د.صفاء خلوصي والاستاذ كمال ابراهيم) ويحملنا على الاعتقاد بانه محاكاة لنموذج اجنبي متكامل لان امر كهذا (ولادة عروض متكاملة في ذهن الخليل) امر بعيد عن الواقع(10).

ثالثا- او ان يكون الخليل قد حاكى نموذجا عروضيا جاهزا” واستطاع بعبقريته ان يطوعه بالشكل الذي يلائم الشعر العربي. وللاجابة عن هذا التساؤل نقف مع ما يقوله د. صفاء خلوصي استاذ العروض في تقديمه لكتاب القسطاس المستقيم نقلا عن ابي الريحان البيروني المتوفى سنة 1048 م في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل او مرذولة) في فصله الموسوم (ذكر كتبهم في النحو والشعر) ما يلي(11):

“يرجـع العروض العربي واليوناني الى الاصل السنسكريتي، وقد يكون هذا الاصل السنسكريتي بدوره مقتبسا من اصل بابلـي قديم لعثوره على تشابه بين البحور اليونانية والعربية من جهة وبعض البحور البابلية القديمة…)) وقد قدم لنا البيرونــي في كتابه اعلاه وجوها من البراهين تدل على ان الخليل كان قد اطلع على العروض السنسكريتي قبـل ان يشــرع بوضع ميزان العروض العربي…. ويذهب الدكتور جواد علي بانه وجد نصا في بعض المظان العربية القديمة يؤيد ان الخليل قد اطلع على الاوزان اليونانية الى جنب كتب في العروض السنسكريتي… وهذا ما ذهب اليه المطران اقليمس يوسف داود ايضا حيث قال: ((الشعر موزون في السريانية على نسق واحد من جهة الحركات اما في اللغات القديمة الاخرى كاليونانية واللاتينية والسنسكريتية والعربية فيعتبر لصحة النظم وضبطه امران في الحركات وهما عددها وقدرها…)).

لقد افاد الخليل من اصول عروضية متعارف عليها عند العرب الا انه اضاف اليها ما نقل من التراث السرياني والعبري والفارسي واليوناني والسنسكريتي لان الخليل الذي ولد في البصــرة سنــة (712-778) وهـو عصر التقـاء الثقافـات الهندية والفارسية واليونانية والسريانية مع العرب من خلال ما كان يترجمه الادباء السريان الى العربية…”

 3- عبد الله الطيب مجذوب  (11- أ ) 

يسأل عن تأثّر العَروض العربي بما هو خارج اللغات السامية، أي تأثّره بالعَروضين الفارسي والإغريقي، مرجّحاً كفّة الأوّل، ومقترباً من واحدة من أهم المسائل التي نظر فيها بعض المستشرقين: «وقد كان أهل مشرق الجزيرة العربية من قبائل ربيعة وتميم وإياد، هم أوّل من نقل الوزن عن فارس فيما أرى… كما كان أهل الحجاز هم آخر من استعمل الوزن، وإنما أخذوه من جيرانهم من المجموعة التميمية». 

كل ما ارتآه الباحثون الثلاثة يتهاوى إذا كان ما جاء به الخليل منهجا يصور الذائقة العربية. فالمنهج يكون كاملا أو لايكون فالمنهج صنو الذائقة التي يتناولها كلاهما لا يستعار. إن من يعرف أن منهج الخليل في اتساقه واطراده وشموله وثروته وتميزه إنما يمثل الذائقة العربية في اتساقها وثرائها وتميزها ينتفي لديه أي شك في حقيقة أن الخليل بما وهب من فكر عبقري هو صاحب هذا المنهج من ألفه إلى يائه.

 ينفون هذا فإذا جاء بعضهم لا إلى العروض بل إلى (علم العروض) بالشمولية التي يتناولها به المستشرقون والذي يكتنفه التشويه وذلك لعدم ملاءمة أدوات المستشرقين للغة العربية وشعرها وعروضها، ينطلق بعض هؤلاء إثرهم دون ترو. وما ذاك إلا نتاج سيادة منهج الحفظ وتعطيل التفكير لدى الأمة قرونا حتى صار فكرها مستلبا في ما هو أخطر من العروض مما يمس شخصيتها ومصيرها. فلا حول ولا قوة إلا بالله.

 إن من ينفون وجود منهج  صحيح شامل للخليل وبالتالي ينفون صراحة أو ضمنا وجود (علم العروض) العربي أو ينفي ذلك منهم عرضهم للعروض نتفا لا رابط بينها، ينفون عن الذائقة العربية وعن إيقاع  الشعر العربي وعن الخليل وعن اللغة العربية الأجمل والأثرى والأكثر تميزا. ومن شأن من لا يعي على منهجية الخليل في علم  العروض من الشعراء والعروضيين أن يستعمل تفاعيل الخليل في تحطيم الخليل وفكره كما نرى في موضوعي  (عروض الخليل غير المقدس ) و  ( بحور جديدة أدناه) ولو أدركوا أن  شرعية التفاعيل وقيمتها إنما تنبع من تقيدها بمنهج الخليل والتزامها به وأن آصرتها بالخليل وقيمتها في العروض تنتهي بانتهاء ارتباطها  بمنهج الخليل لما خاضوا في تخبيصهم، ولكان عليهم في الحد الأدنى-  إن اصروا على التخبيص –  أن لا يستعملوا تفاعيل الخليل في تنظيرهم.

كثير من العروضيين والشعراء الذين غادروا ساحة العروض إلى علم العروض بدون سلاح الوعي على المنهج أخطأوا وبعضهم تجاوز الخطأ إلى التخبيص وبعضهم تجاوز التخبيص إلى الإساءة للخليل شخصيا. كما هو موضح بالدليل والبرهان

أوحت إلى هذه المواضيع ونظائرها هذه الأبيات:

يطغى على النفس إحساس من الألم
تمليه غيبة منهاج عن القلم
    

أهلَ العروض وكم ردّدت في لهفٍ نور الخليل هنا في منهج الرقمي

 

كم من أريبٍ غياب النهج أحبط ما
كان بالغَه في العلم من قِمَمِ

 

إن المعارف كالأرشيف كثرتها
من دون نهج تساوي النورَ بالظُّلَم

 

 

 

منظومة الخليل تمضي في هذا السبيل لما هو أعمق وأوسع وأجمل.

يقابل الرقمي باستعلاء جل العروضين العرب.

مواضيع مدونة العروض

منتدى العروض الرقمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى