ثقافة المقاومة المقاومة في الأدب

إبراهيم جوهر | فلسطين

 أن تنحاز الى معنى الحرية ، وأن تعلي من شأن الذات المتحدية؛ الذات الجمعية ، في سبيل هدفك الأسمى ،أن تكتب عن الجدار، وعن الفلاح، والتلميذ وربة المنزل؛ مقاومة . أن تكتب للزمن القادم وتمدّ إليه خيوط روحك المنتظرة؛ مقاومة .أن تكتب عن الإنسان للإنسان، مقاومة . أن تكتب للزيتون وعن الزيتون؛ مقاومة . المقاومة ليست بندقية ورصاصا فقط …ولعلها لم تكن كذلك منذ التفت الشهيد المبدع (غسان كنفاني) الى هذا الأدب الجديد المحمّل بأنفاس التراب والناس والبحر والصمود والشمس والقهوة والأطفال. الأدب على الجبهة، وفي الجبهة.

خلف الناس ومعهم، وأمامهم . ليس سهلا تحديد مكانه، ولكن مكانته محددة معلومة؛ إنه في المقدمة؛ يحدو، ويشدو، ويدعو، ويوثق. ينقل ويعبّر ويقول؛ إنه الروح التي لا حركة بدونها. أرأيتم الشعارات، والأهازيج والأغاني والمسرحيات؟ القصص والروايات والشخصيات والفكر المنقول حيّا على الألسنة؛ لينير وعي القارئ فيعلمه ويدفعه الى الفعل المقاوم . الكلمة المقاومة فعل لا أكثر ولا أقل . والفعل المقاوم يبدأ بالكلمة، ترافقه وتحدو مسيرته، وترسم آفاقه وتقف على أحلامه: تدغدغها، تتأملها، تحملها بين يديها، تداعبها وهي تحلم بأن تكبر وتنمو وتتجذّر .

القيم العليا التي تشكل المنظومة الأخلاقية للإنسان؛ وحملها والترويج لها، وتقديم القدوة: فعل مقاوم؛ أدب مقاوم …كذا في المسرحية، والأغنية والنشيد. في القصة والرواية والشريط . وكم كان جارحا، وفاضحا، بقدر ما كان تحديا واثقا من روحه ومبتغاه…موقف أولئك الشبان والشابات المتجمهرين أمام بوابة بيت استولى عليه ذراع الاحتلال المسمى (حارس أملاك الغائبين ) في يافا؛ تجمهر الفريقان المتقابلان المتعاكسان؛ المدافعون قبالة اللصوص الساطين على المنزل بقوة القوة، وحضور الواقع، وراح كل من الفريقين المتقابلين ينشد؛ هم أنشدوا أناشيدهم المحفوظة التي كتبها كتّابهم من ذوي الأيديولوجيا الصهيونية، ولم يقابلهم ما يوازي ويردّ على الكلمة بالكلمة، فما كان من الشبان والشابات إلا أن بدأوا بالغناء: (ادلّع يا عريس وعروستك نايلون ….!) المهم أن نغنّي ونعلي الصّوت، هكذا قالت “امتياز ذياب” .

لم نشأ الوقوف ساكتين عاجزين عن الفعل ؛ فعل الغناء والإنشاد … الهدف كان المقاومة. والمقاومة احتجاج، ورفض، وموقف. لم يخطر في البال سوى الكلمات الرائجة وقتها : ادلّع يا عريس وعروستك نايلون! واليوم تصدح الأناشيد ذات القيم، والإيقاع والمعنى والرسالة : نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون…بتنويعاتها وأوزانها وشراراتها وقشعريرتها الخاصة، وآثار الدم المتدافع في العروق مع الكلمة واللحن والأفق المفتوح على الجمال المشتهى . “غسان كنفاني” ابن هذا الشعب الذي صاغ جزءا من ملحمته المقاومة بالكلمة والرّيشة والموقف. التقط شخصيات قصصه من الواقع؛ من المخيم والقرية والغربة والمدرسة وحواري البلاد وأزقتها الضيقة، لينقلهم الى لوحة الحياة والفعل والوعي بعد إطلاعهم /إطلاعنا على بؤس القعود مع المتخلفين عن السير في طريق الصّباح والتّغيير .

مرّ ناس”غسان” في ظروف الغربة والطّريق الموحل وخيمة الذّل الباكية، فما العمل ؟ غسان قال، وأشار، ورمز ووارب الباب لندخل الى الساحة معجبين بذكاء اكتشافنا ، ومزوّدين بالثقة التي نحتاجها . كان الهدف واضحا عنده، وكانت الكلمة قادرة على التلوّن والتشكل لتخدمها فتقدمها بسحر فني خاص ـ لعل في كل قراءة لها اكتشافا جديدا لزاوية رؤية الكاتب ورؤياه كأنه يقول لنا: ثقوا بالناس. اصدقوا مع ذواتكم. توسّدوا تراب الأرض لتحسوا أنفاسها وتدفق دمها. قارنوا بين خيمة وخيمة لتجدوا الفرق بين الذل والعزة .أو: قارنوا بين بلعين المقاومة التي قدمت سابقة انتصار الدم على السيف ، والثقة بالنصر على الجدار…وغيرها ممن لم يقاوم .

ليست المقاومة فعلا جامدا، ولا فهما جامدا، إنها البسمة الساخرة الهازئة في وجه الجلاد، والكلمة الصادقة في وجه الحاكم الظالم في قاعة المحكمة، وقاعة المكان . وكل مكان قاعة، وكل قاعة مكان، وكل المكان، كان وسيكون كما يراه المقاوم الواثق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى