المخرج صلاح أبو سيف والإعلامية وفاء كمال وجها لوجه

التقيته صدفة، وقد وصل متأخراً إلى قاعة الأمويين في دمشق، لحضور ندوة يُناقش فيها الفيلم التونسي “خريف 86” حاول فتح الباب دون جدوى كما حدث معي بالضبط . فمواعيد السينمائيين لاهوادة أو تهاون فيها. بسبب غلاء أجور الاستديوهات التي تتصاعد بالثواني. كان لي في ذلك التأخير سانحة لدردشة قصيرة ومفيدة معه.

فصلاح أبو سيف ذو حضور راسخ في مسيرة السينما العربية. ومن خلال الأفلام التي أنجزها ، يمكن التأريخ للسينما الواقعية في مصر والعالم العربي. فواقعية ” صلاح أبو سيف ” لا تنطلق من رؤية سياسية ـ اجتماعية مجردة، بل هذه الرؤية تتكامل في التقنية الفنية التي استخدمها. فهو أكثر من مخرج. إنه صاحب مدرسة وتيار له مريدوه. ولأنه على هذا النحو، فقد أثمن السينما العربية بإنجازاته الكبيرة في كل أعماله التي يسكنها الهم المصري وهم الإنسان المستَغَل والمستَلَب.

من أفلامه الهامة ” الفتوة ” و ” القاهرة الجديدة “، و” البداية ” الذي يعتمد فيه على الفانتازيا الكوميدية لعلاج موضوعات سياسية مهمة.. وكان حينها بصدد إعداد فيلم عن ناجي العلي. وكان لقائي معه مقتصراً على سؤال وحيد عن تأرجح السينما المصرية بين القطاعين العام والخاص.

قال: إن القطاع العام عندما أُنشئ في مصر، أُنشئ دون تخطيط مسبق، مما جعل الكثير من المنتجين والموزعين. يفرُّون خوفاً على مكاسبهم وأرباحهم. ولما كان القطَّاع العام لايملك حرية الحركة، فقد تراجعت عمليات الإنتاج السينمائي . واشتكى المحترفون الذين لايُحصِّلون رزقهم إلا من السينما فحسب . فأرسلوا برقيات للرئيس “جمال عبد الناصر “يشتكون فيها من الجوع، ويطلبون ضرورة الإسراع بإيجاد عمل لهم.

ولمَّا لم تكن الأعمال جاهزة ، اضطروا للعمل المشترك مع التلفزيون في مشروع أطلقوا عليه اسم “حرف ب ” وكان موجهاً للاستهلاك المحلي . ولكن أعداء القطاع العام المنتشرين داخله وخارجه، كانوا يثيرون الضجيج المتلاحق ويلفتون النظر إلى أعمال القطاع العام التي نشأت بالأصل لانتشال السينمائيين المحترفين من استغلال المنتجين لهم. لذلك كان لابد من تعرضها إلى بعض الأخطاء. وكان اعداء القطاع العام قد تلاعبوا في تلك الأيام بالأرقام، ليثبتوا للجميع أن القطاع العام قد خسر رغم أن تحريات خبراء الاقتصاد أثبتت عدم وجود تلك الخسائر .

وانطلاقاً من ذلك يتضح أن الأزمة والمأزق الذي تعيشه السينما المصرية هو مأزق دعائي من خلق القطاع الخاص. ولا خلاص للسينما في مصر إلا بالقطَّاع العام. حتى لوكثُر أعداؤه .

فعلينا التنبه لأخطائنا التي حدثت فعلاً، وليس للأخطاء التي يروِّج لها أعداء القطَّاع العام .

فالقطَّاع العام له إيجابياته الكثيرة ومنها أنه أنشأ أول معهد للسيناريو. وقد هُوجِم هذا المعهد في حينه كثيراً. لكنه صمد. وانضمَّ إليه الكثير من كتَّاب الرواية والأدباء. ومعظم العاملين في السيناريو هم من خريجي هذا المعهد أمثال ” رأفت الميهي ، ممدوح الليثي ..

إن ذلك القطَّاع فتح طريق العمل أمام الشباب السينمائيين ليعملوا دون تقديم التنازلات التي تناسب عملية الربح والتجارة . تلك التنازلات التي كثُرَتْ لدى الكثير من المخرجين مثل: ” حسين كمال، جلال الشرقاوي، خليل شوقي. وقد تمت تلك التنازلات تحت ضغط الحاجة للعمل. ولكن من يقدم تنازلاً مرة يقدمه مرات. بذلك فإن القطَّاع الخاص الذي يضع الربح في المقدمة ، سيحدُّ من إبداع الفنان وعطائه. لذلك لاحياة للسينما إلا بالقطَّاع العام .

عند هذا الحد توقف حديثي مع المخرج الكبير ” صلاح أبو سيف” . أنهيت الحوار لأنه كان يتطلع نحو الساعة. تركته وماباليد حيلة. وفي بالي الكثير من الأسئلة التي لاتتناول سجله السينمائي فحسب بل مسار السينما المصرية والعربية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى