إلى أن جاءت الكلمة

عمر البطا | مصر – الجيزة

الكلمة

وكَانَ الطِّينُ -طِينُ الخَلقِ- رخوًا،
والمَلامِحُ ذائباتٍ،
والوُجُودُ مُفَكَّكًا،
وهُوِيَّةُ الأشيَاءِ مُنعَدِمَهْ

إلى أن جَاءَتِ الكَلِمَهْ

وكَانَ الكَونُ يَجرِي في دَوَائِرَ:
لم يُسَائِلْ نَفسَهُ نَجمٌ:
“لماذا لا أزالُ أدُور مُحتَرِقًا؟”،
ولم يَتَبَدَّ بَينَ الذِّئبِ والأغنَامِ فَرقٌ،
والشَّوَارِعُ لم تَكُنْ تُفضِي إلى شَيءٍ،
وأصواتُ البَلابِلِ لم تَكُنْ غَيرَ اهتِزازاتٍ،
ولا نَغمَهْ
وبَينَ ضُلُوعِنَا:
لا فَرحَةٌ، لا دَمعَةٌ،
لا شَيءَ نَحمِلُهُ، سِوَى
“اللَّاشَيءِ” في رُكنٍ، ورُكنٌ فِيهِ
قَلبٌ
لَيسَ يَفعَلُ غَيرَ ضَخِّ دَمِي المَحمَلِ بِالطَّعَامِ
لِكُلِّ أعضَائِي
لِتَلتَهِمَهْ

إِلَى أن جَاءَتِ الكَلِمَهْ

وكُنَّا نَحنُ:
عَصفُورَينِ مَذبُوحَينِ
مَنثُورَينِ أشلاءً عَلَى قِمَمِ الجِبَالِ،
وبَينَنَا يَمتَدُّ سِلكٌ شَائِكٌ،
وَبَنَادِقُ الحُرَّاسِ تَرصُدُنَا،
وأحلامٌ مُشَوَّهَةٌ
يَزُرنَ صُدُورَنَا، يَفقَأْنَ دَاخِلَنَا
جِرَاحًا غَيرَ مُلْتَئِمَهُ
وكُنَّا في الطَّرِيقِ نَمُرُّ أغرابًا،
وفِي القَلبَينِ أشواقٌ لِشَيءٍ ما
(عَرفنَا بَعدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ العَنَاقَ!)،
وَكَانَتِ النَّظَرَاتُ أثداءً مَلِيئَاتٍ،
ولا حَلَمَهْ
وقد يَحتَكُّ جِسمَانَا، وَلَكِنْ
كالخَزَائنِ مُغلَقَينِ عَلَى سَرَائِرِنَا،
ونَسألُ نَفسَنَا عَمَّا يَمُوجُ بِصَدرِ آخرنَا،
وعن تُفَّاحَةِ الخُلدِ
التي في قَلبِ هَذَا القَلبِ
مُنكَتِمَهْ

إلى أن جَاءَتِ الكَلِمَهْ

***

ولَمَّا جَاءَتِ الكَلِمَهْ
وعَلَّمَ آدَمَ الأسمَاءَ،
أمسَكَ صَولَجَانَ المُلكِ،
غَطَّى سوءَتَيه بسترَةِ العَظَمَه
وصِرتُ خَلِيفَةً في الأرضِ،
لكنِّي
تَركتُ الأرضَ تَرقُدُ في القَذَارَةِ،
وامتَطَيتُ بِذَات يَومٍ صَهوَةَ الكَلِمَهْ
عَرجتُ إلى السَّمَاءِ،
شَقَقتُ غَابَاتِ السَّحَابِ،
ورُحتُ أختَرِقُ الحِجَابَ،
ونَظرتِي
تزدادُ بالأسرارِ إشرَاقًا،
وتَرمُقُ بازدِرَاءٍ أنجُمَ اللَّيلِ الهَزِيلَةَ،
ثُمَّ تَسْحَبُنِي إِلَى عَرْشِ السَّمَاءِ،
وعندما كادَت تَمَسُّ أنَامِلِي سَقفَ الوُجُودِ..
تَلاشَتِ الكَلِمَهْ!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى