مشاهدات: محمود درويش خيمتنا العتيدة

شهاب محمد | فلسطين المحتلة

رسالة إلى صديقنا الأخ مراد السوداني الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين:

أما نباح التطبيع والتركيع فلا يجوز أن نقول فيه الكلاب تعوي والقافله تسير .. إن نشاط التطبيع الذي ليس تطبيعا
ولكنه في مستوى أبعد من ذلك يصل حد الخيانة
عندما يتخلى أصحابه عن القدس والمسجد الأقصى والإسراء والمعراج وقبور الأنبياء والأولياء والشهداء. وإعطاء الاحتلال براءة مجانية من الدماء والتضحيات والمعاناة المريرة.. وأما الهجمة علينا فإنها قد تتشكل وتتلون ولكننا مطالبون بتنظيف بيتنا أولا وفضح كل المندسين في صفوفنا.
فكيف يكون نشاطا تطبيعيا في عقر بيتنا ونحن صدورنا وظهورنا مكشوفة للأعداء:
وغير الروم خلف ظهرك روم
فعلى أي جانبيك تميل
اقدح زناد قلمك وذهنك. وفكرك نعم، ولا تبق على ستر لمفضوح. مطبع، يحاول أن يستتر بدمنا، ومعاناتنا وتضحيات آلاف الشهداء. وآلاف آلاف الأسرى والجرحى.
ولا نامت أعين الجبناء .. لا يجوز أن يكون للقدس
إلا نقاؤها وطهر أهلها وشعبها العظيم من المحيط إلى الخليج.
وإن الذين يبحثون عن أمجاد من خلال المساس بمكانة حبيبتنا القدس أو حبيبنا الراحل الكبير محمود درويش بادعاءات حول سيرته الشخصية فإن عملهم هذا هو محاولة بائسة، لأن محمود درويش أكبر من أن تهتز صورته لدينا، ولدى أجيالنا القادمة.
هو لم يكن يبحث عن أمجاد بقدر ما كان يستخدم قدراته كمقاتل من أجل الحرية بسلاحه الذي هو موهبته الشعرية
ويشرفني أننا كنا قد تعرفنا، عن قرب في مناسبتين هامتين عندما حضر إلى الكويت وسر جدا بها، وبالجمهور الذي احتضنه وردد أغانيه التي كان يحفظها عن ظهر قلب في أمسياته التي أقامها، وقال بالحرف الواحد: أحببت الكويت؛ سأعود إليها وركبنا معا الطائرة من بغداد عندما كان هناك اجتماع للأمانة العامة للاتحاد العام للصحفيين واجتماع للمكتب التنفيذي. وعدنا معا ولفت انتباهه حركة من زميل لنا قام بمساعدة زوجة سفير دولة غربية عظمى بتأمين شنطها تطوعا فقالت له: أشكرك كثيرا أنا زوجة سفير الدولة المعنية باللغة الإنجليزيه. فقال بتلقائية:
وعفوية بالانجليزية وهو كان أحد العاملين في
جريدة تصدر باللغة الانجليزية في الكويت
no problem may father was A king
فلاحظ محمود درويش الضحكات العالية إلى حد
القهقهة وركبنا الطائرة وكان المرحوم عمر الجاوي رئيس اتحاد كتاب اليمن معنا وسألني محمود عن الموقف فقلت له ما حدث فظل يتفكر
بالموقف وأصر أن يسمع ما قاله زميلنا مرة أخرى منه فردد ما قاله عن والده حتى سقطت أجهزة التنفس بالخطأ بعدما ارتفعت الطائره وأدى ذلك إلى رعب في وسط الركاب جميعا إلا مجموعتنا حيث كانوا الأكثر تماسكا واتزانا وأعني محمود درويش وعمر الجاوي وتوفيق الباشا وأنا وفي كل الأحوال لمحمود درويش وجهه الإنساني السمح والجميل الذي لا أظن مطلقا أن تشوهه الأقاويل، وأنا أقول هذا الكلام ليس لأن محمود درويش تعرف على فتاة ريتا أو رباب مثلا فهل نجرّمه على ذلك لمجرد أن لدينا شهوة محبوسة.

لأننا نبحث عن ما لم يكن يبحث عنه محمود درويش وهو التسلق على اسمه لكي تحملنا قامته إلى نجوميته هذا عيب وعار.

محمود درويش ليس مِلكا لأحد ولا هو صنم نتقرب به لأنفسنا ونحن لا نعبد أصناما، ولكن أليس من حقه أن نحترم شأنه الخاص.

وأنا لا أدعي معرفة فيه ولا يجوز لأحد التعامل بهذه الخصوصية على نحو يسوِّق عليها نفسه أو بضاعته، مهما كان ومهما يكن.

ولأننا لسنا كما قلت، فإننا نقول لمن أراد سوءا
بنا في أحلك ساعات الظلام، وأصعب الظروف ،
التي تمر بها قضيتنا؛ من حصار واقتلاع ومصادره وضم، ومعها حملات التعهير والتضليل:
أيها السادة المروجون للتطبيع..
أيها السادة تجار الموت ..
أيها السادة عبدة أنفسكم وضلالكم
ومتاعكم الرخيص ..
نحن أقوياء، ولسنا ضعفاء؛ نحن أولياء صالحون. وكتاب محترفون.

وبكل احترام وأسف نقول لكم لا قيمة للغوكم الباطل.
أبو عمار الواجهة والقامة النضالية لكفاحنا السياسي والعسكرى المرير، ومحمود درويش القامة الشعرية والثقافية لشعبنا في مستواه الفلسطيني والعربي والأممي.
ومهما قيل ومهما صار لن نتنازل عن فلسطيننا، ولن نتنازل عن هاماتنا، ونحن إذ نحترم الحالات الرمزية في تاريخنا فإنه؛ ليشرفنا أن نقول لكم، إننا لا نعبد أشخاصا، ولن يكون هؤلاء الأشخاص بتراكم السنين آلهة تعبد، أو حتى تقرب الناس إلى الله زلفى .. نحن وطن الأنبياء، وشعب الأوفياء وأرض المعراج والإسراء ولنا في حقيقتنا أدلة وآلاء .. وأول وأخر ما يتبادر لنا أن نقول لكم دمهم علينا ..
من كان له عند ياسر عرفات ثأر
من كان له عند محمود درويش عذر
فنحن أبناء الوطن المحارب منذ الحرب العالمية الأولى ويزيد ونحن الشعب الذي ما تغول عليه زمن إلا قال
له هل من مزيد ..
لن نتراجع خطوة واحدة
للوراء ..
ولن نتنازل عن ذرة واحدة
من التراب
مهما كان الغياب ..
ومهما طال العذاب ..
ومن يجد لديه على زعيمنا ياسر عرفات وحبيبنا محمود درويش
حقا لم يتقدم له من قبل
نقول له إن دمنا فداء
وجراحنا وما تبقى لنا
رهن ووفاء ..
وشرف انتساب وانتماء
لرواية ونشيد ختامي
كان يحلم محمود درويش أن يكتبهما
ذلك ما قاله لي في أحد فنادق العاصمة التونسية
عندما سجلت له حديثا طويلا جدا لصحيفة الأنباء الكويتية التي ذهل به مدير التحرير الأستاذ يحيى حمزه فنشره بالكامل على صفحتين ويزيد في جريدة الأنباء الكويتية التي كنت أعمل بها بلا تفرغ كوني ملتزما بدوامٍ في سفارة فلسطين في الكويت.
سألته وبحضور أخي الشاعر الكبير أحمد دحبور وماذا بعد المطولات الشعرية: بيروت خيمتنا الأخيرة، احمد الزعتر . مديح الظل العالي.
قال لي أولا أتمنى أن اكتب رواية، وأتمنى أن أكتب النشيد الختامي لفلسطين .. فقلت له أما الرواية فإن قصائدك الأخيره المطولات كل واحدة رواية بحد ذاتها، وبما إنني لي تجربة في الكتابة المسرحيه .. فإن أي مطولة شعرية لديك قابلة لأن تمسرح وتكون عرضا مسرحيا رائعا، وأما
النشيد الختامي فنسأل الله أن يحقق لك هذه الأمنية ..
وكان محمود درويش على سفر
وكان يتحدث باللهجة الدارجة
فأوصاني بالانتباه أثناء
الصياغة فقال له أحمد دحبور: كن مطمئنا فإن الأخ شهاب له باع طويل في العمل الصحفي.
هذا محمود الدرويش الذي نعرف، ونحترم، ونجل.
وما قلنا عنه غير مافيه، ولا حملناه أكثر مما يحتمل، ولأنه هو هكذا ونحن هكذا؛ فإننا نقول في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، مرة أخرى : دمه ودم المناضلين والأحرار علينا، نحن مستعدون أن نتبنى، ونتعامل بثقه عالية مع أي خطأ لو كان خبره صحيحا لنجعله صوابا.. فلا تثقلوا علينا ثقل ما يتعرض له الجمل المكسور.
أيها الساده الأغبياء
أيها الساده الضعفاء
خلوا سكاكينكم؛ فإن لحمنا مر
وإن أسنانكم ضعيفة ولحم الشهداء لا يؤكل ..
وهم الأحياء وإن ماتوا.
وحتى لحم الأموات الأموات فإنه من الكبائر .. ألم يقل سبحانه وتعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه فاتقوا الله إن الله شديد العقاب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى