أحمد راضي يسدد 3 أهداف نظيفة في مرمى ” كورونا”!
عبد الرزّاق الربيعي | شاعر ومسرحي وكاتب صحفي
لم يستسلم محبو صانع الألعاب الساحر أحمد راضي لطوفان الحزن الشديد الذي اكتسح قلوبهم عقب رحيله إثر إصابته بفايروس “كورونا”، وكان لهذا الحزن أسبابه، فالموت اختطف شخصيّة عامّة لها منجزات حقّقتها للمجتمع، كما أنّ الموت جاء بشكل مباغت، وعاجل، يحثّ الخطى، قبل أربع ساعات من إقلاع الطائرة التي كانت ستقلّه إلى الأردن لتلقّي العلاج هناك، ولأنّهم فقدوا،وأنا منهم ، رمزا أضفى على حياتنا بهجة من خلال الأهداف التي سجّلها في الملاعب المحلية، والدولية، لعلّ أبرزها الهدف العراقي الوحيد الذي سجّله في مرمى بلجيكا ببطولة كأس العالم لكرة القدم في المكسيك عام 1986، وساهم في سعادتنا، فاحتلّ حيّزا مضيئا في ذاكرتنا، ومع تسليمنا أنّ “الموت حق”، ولا رادّ لقضاء الله، و”تعدّدت الأسباب والموت واحد”، لكنّ وفاة رياضي، سليم البنية، جسمه يفور بالحيويّة، والنشاط، والجمال، أمر مؤلم، خصوصا أنّ صوره، وفيديوات أمجاده، ما زالت قيد التداول، وفيها يصول، ويجول في الملاعب، وما يتمتّع به من خفّة حركة، وسرعة في نقل الكرات، والمراوغة، والإصابة في التهديف، ورسم البهجة في النفوس! لذا،فمن الصعب على العقل أن يستوعب أن يذهب ضحيّة هجمة مرتدة لـ”فايروس” لايرى بالعين المجرّد!!
ومع ذلك يمكننا اعتبار هذه أول تسديدة للراحل في مرمى “كورونا”، فالكثير من الذين استهانوا بالفايروس عادوا إلى أنفسهم، وتساءلوا: إذا كانت القوة الجسمانيّة لرياضي قويّ الجسم، لم تشفع له، فكيف بالنسبة لسواه ممّن يمتلكون أجساما لا تقاوم حتى نزلات البرد الموسميّة؟ فضلا عن الذين يعانون من أمراض مزمنة، لذا عادوا إلى نصائحه التي قدّمها خلال تلقّيه العلاج، وتطبيق ما ورد بها، وأهمّها التقيّد بالتعليمات، وتجنّب المخالطة.
التسديدة الثانية سجّل خلالها هدفا آخر نظيفا لصالح المحبّة التي رافقت جنازة الراحل إلى مثواه الأخير، ولا أعنى قبره، فكلّنا نعرف اجراءات الدفن المشدّدة التي ترافق جثمان من يذهب ضحية” كورونا”، وإنما تشييعه في قلوب الناس، وتعبيرهم عن هذا الحب في مواقع التواصل الاجتماعي، حتّى أنّ الإتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” أبّنه في حسابها، وقال” خسرت كرة القدم أحد أساطيرها ” وقد اكتسبها داخل الملاعب، وخارجها أيضا، فقد تميّز بصفات إنسانية عالية، وله مشاركات مجتمعيّة، ومواقف مشرّفة مع الرياضيين الروّاد، والمرضى، والمحتاجين، و أخلاقه في اللعب كانت مميّزة، تجبرك على حبّه، ولعلّ وصف د.علي جعفر العلاق جاء دقيقا، فهو يقول ” كانت طريقته في اللعب : مبرأةً دائماً من الشراسة ، أوالأنانية، أو تجهّم القسمات. وكأنها جزءٌ من سلوكٍ جماليٍّ وأخلاقيٍّ يلازمه في الملعب وفي الحياة”، لذا اكتسب شعبيّة جماهيريّة واسعة، وفاز بمقعد بمجلس النوّاب العراقي، في دورة من دوراته السابقة، وكان يعدّ العدّة لترشيح نفسه، ودخول انتخابات الإتحاد العراقي لكرة القدم، وضمن هذا المناخ عاد إلى بغداد، من العاصمة الأردنيّة عمّان حيث يقيم مع عائلته، لكنّ القدر لم يمهله طويلا، لتقديم المزيد من الخدمات للكرة العراقيّة، و” لكلّ أجل كتاب”.
التسديدة الثالثة التي نجح بها الراحل، وهو في قبره، فسجّل هدفا نظيفا باسمه في مرمى كلّ من سعى إلى تهديد السلم الاجتماعي، فقد وحّد أبناء شعبه على محبّته، ميتا، مثلما وحدهم حيّا، كما وصف الشاعر أجود مجبل، فوقف الجميع سدّا منيعا بوجه كلّ من أراد دسّ السموم، من خلال نيلهم من مواقف الراحل السياسيّة، وانبرت الأقلام لتخرس كلّ من يريد نشر ثقافة الكراهيّة، والطائفيّة، معلنة أنّ زمن الكراهيّات ولّى للأبد، ومن يريد نشر هذا الخطاب، فلا مكان له بين الصفوف، فتهاوت سهامهم الطائشة، فيما ظلّ” صانع الفرح” أحمد راضي، كما وصف الشاعر وسام العاني “محمولا على الأكتاف”، لأنه سجّل، وهو قبره ثلاثة أهداف في مرمى “كورونا”،وأعداء المحبّة، والجمال!