سعود الدرمكيّ.. لم يعد حافيا!

عبد الرزّاق الربيعي | مسقط – شاعر ومسرحي وكاتب صحفي

قبل سنوات بعيدة حضرتُ حفلا بنادي الصحافة سابقا، لتوزيع جوائز الإجادة الإعلامية، وكان من بين فقراته عرض قصير حول متاعب المشتغلين في “بلاط صاحبة الجلالة”، ووسائل الإعلام، جمع ذلك العرض الكوميدي الكبيرين صالح زعل، والراحل سعود الدرمكي، وما أن وقفا على خشبة المسرح، حتى اشتعلت القاعة بالتصفيق، يومها عرفت المكانة التي يحتلّها النجمان الكبيران في نفوس الجمهور، وهذه المكانة لم تأت عن فراغ، بل عن كدّ، واشتغال، على مدى سنوات عديدة، وإذا كنتُ قد تحدّثت في مقال سابق عن جهود الفنان صالح زعل في وضع اللبنات الأولى للمسرح، والدراما العمانية، كونهما من جيل حفر بالصخر، فالكلام ينطبق على رفيق دربه الفنان سعود الدرمكي، الذي بدأ العمل المسرحي بوقت مبكّر من عمر النهضة العمانية الحديثة، التي انطلقت عام1970 مع تولي المغفور له جلالة السلطان قابون بن سعيد، طيّب الله ثراه، وتحديدا في عام1975 ، مع انشائه لفرقة “كلبوه” المسرحية الأهلية، مع زملاء له كطالب البلوشي وفخرية خميس،  قبل أن تؤسّس “وزارة الإعلام والشباب” آنذاك، “مسرح الشباب”عام1980 م ذي المسيرة الطويلة الحافلة بالإنجازات، فانتقل العمل معها من عرض “اسكتشات” في المناسبات الوطنية إلى تقديم عروض  مسرحية.

وظل الممثّلان الكبيران متلازمين في الحياة، إذ كثيرا ما نراهما معا في المناسبات الفنية، والاجتماعية، وفي أول فيلم سينمائي عماني هو “البوم” للمخرج خالد الزدجالي، وبالطبع في المسرح، وفي الشاشة الصغيرة، وكان آخر ظهور لهما معا في مسلسل “حارة الأصحاب” لأنيس الحبيب، وشكل ظهور الفنانة فخرية خميس إلى جانبهما لتكون ثالثة الأثافي الذي يستند عليه قدر الدراما العمانية، ومثلما ظلت شخصية “الشايب خلف” تلازم الفنان صالح زعل، فشخصية “سلوم الحافي” البخيل، التي قدّمها بإطار كوميدي، يذكّر الجمهور بـ”بخلاء” الجاحظ، وطوال حلقات المسلسل يتعرّض لمواقف عديدة، وقد لازمت الفنان سعود الدرمكي هذه الشخصية ذاكرة الجمهور طويلا، رغم أنه قدّم شخصيات أخرى مختلفة، غير أن “سلوم” ظلّ حافيا، في أذهان الناس، لأنّها إلى قلبه، فأحبوها، مثلما أحبّوا زعل في “الشايب خلف”، وحين شاهدت  مسرحيّة” ولد البلد” للمخرج مالك المسلماني، التي عرضت في أكتوبر العام الماضي على قاعة المسرح الكبير بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض بمسقط، وجمعت نخبة من نجوم المسرح العماني، وحال تعرّض الفنان الكبير لوعكة صحّيّة، دون مشاركته فيها، كنت أتحسّس الفراغ الذي أحدثه غيابه، بل رأيت إحدى الشخصيات، وكأن الكاتب والمخرج مالك المسلماني قد رسمها على مقاساته!!

والراحل سعود الدرمكي، لم يتوقّف عند التمثيل، أمام الكاميرا، بل مارس دور المخرج، ووقف وراءها، سنوات طويلة، بدأها منذ مطلع التسعينات عندما مارس العمل في الإخراج التلفزيوني، والإذاعي، وواظب على ذلك، فأخرج العديد من المسلسلات التاريخية، والبرامج التوجيهيّة، والثقافيّة المنوعة في قضايا تهم الأسرة، والمجتمع.

رحل الدرمكي، وظلّ” سلوم” في ذاكرة الجمهور حافيا إلا من المحبّة

___

*مقالي في الكتاب التكريمي الذي أعدّه الإعلامي عامر الانصاري، ووزّع في حفل توزيع جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثانية عشرة٢٠٢٠، وفاز بها إلى جانب رفيق مشواره الفنان صالح زعل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى