الحكمة المؤسسية Organizational Wisdom
د. ماهر خضر | رئيس منظمة أمم الحكمة | www.wisdomnations.org
يتغير العالم كل يوم، ويحقق قفزات نوعية في إتجاه الوعي والحكمة. وما كان مقبولا قبل ”قليل “ وكان عنوان النجاح، ربما يصبح غير مقبول ومصدر الفشل.
هذا ما لمسناه على الأقل في التوجه الجديد لعديد الشركات العالمية والتي اضطرت لتغيير علاماتها التجارية فجأة، ومنها شركة “فير آند لفليFair & Lovely “ التي صَرَّحَتْ قبل يومين أنها ستقوم بإزالة كلمات “أشقر”، و”فاتح”، و”أبيض”من جميع عبوات منتجاتها وحملاتها التسويقيّة، وبالتالي تغيير إسم “فير آند لفلي” وذلك بعد الاحتجاجات التي إنطلقت في جميع أنحاء العالم تحت شعار Black Lives Matters (أو حياة السود مهمة).
وقد إضطرت الشركات في مختلف الصناعات إلى الاعتراف بدورها في تهميش الأشخاص من ذوي البشرة الداكنة، والعمل بنشاط لمناهضة العنصرية. حتى أنّ المستهلكين أطلقوا حملة يطالبون فيها بإيقاف العلامة التجارية. ونتيجة لذلك، إضافة إلى تغيير إسمها، تعهّدت شركة يونيليفر وعلامة “فير آند لفلي”بتطوير إعلاناتها لتكون أكثر تمثيلاً لأنواع مختلفة من الجمال في جميع أنحاء العالم.
هذا وبينما لم تكشف يونيليفر عن الإسم الجديد لعلامتها التجارية بعد، قالت الشركة في بيان لها أنّها ستكشف النقاب عنه في غضون الأشهر القليلة المقبلة، بمجرد إستيفاء اللوائح القانونية في البلدان ذات الصلة. يأتي هذا الإعلان بعد أن أعلنت شركة جونسون آند جونسون، الشركة التي تقف خلف علامتي نيتروجينا وكلين آند كلير، مؤخراً أنّها ستتوقف عن إنتاج منتجات تفتيح البشرة أيضاً.
إن الوقوف عند هذه المُتَغيّرات المُزَلْزِلة بالدّراسة والتحليل يُحيلنا على عصر جديد هو عصر الحكمة، وأن المؤسسات التي لا تُجيد إسْتِشْعَار الواقع وإسْتِقْراء المستقبل رُبما تنتهي في لمح البصر. بينما المؤسسات التي تَسْتَشْعِر وتَسْتَقْرِئُ وتَسْتَبِقُ سوف تكتسب ”الحكمة المؤسسية “. هاته الحكمة التي تحقق لها أعلى درجات النجاح والفاعلية على مُستوى الإستراتيجيات، والقرارات، والعمليات، والعلاقات.
لذلك، فإن الحكمة المُؤسسية هي فرصة لمَأسَسَة وقِياس الوعي والنضج والنجاح والتميز داخل كل مُؤسسة وفق مُؤشرات ومقاييس يُمكن العمل على بلوغها وتحقيقها. وليس بالضرورة أن تكون المؤسسة قديمة وكبيرة حتى تكون حكيمة، وإنما يكفي أن تستجيب لجملة من الشروط والمقاييس والمعايير التي تجعل منها حكيمة.
ومجموع مؤسسات حكيمة سوف يُؤدي إلى إقتصاد الحكمة Wisdom Economy، تقوده لغة عالمية هي لغة الحكمة. لذلك فإن الحصول على شهادة إعتماد الحكمة المؤسسية هو بوابة النجاح في بيئة الأعمال ما بعد كورونا، وإثبات وصول المؤسسة إلى درجات الوعي والحكمة المنشودة. وهو ما ينعكس على القدرة التنافسية للمؤسسة وكسبها لثقة الجمهور وبالتالي إكتساح أسواق جديدة.
وهكذا ننتقل من جَوْدَة المنتجات إلى حِكْمَةِ المؤسسات، حيث لم يعد ينظر المستهلك إلى المنتج، مهما كانت جودته، بمعزل عن المؤسسة التي تُنتجه وقيمها وحكمتها. ولعل مفهوم الحكمة المؤسسية، على جِدَّتِه، لم يأت من فراغ، بل هو سَلِيلُ مفاهيم متعاقبة مرت على المؤسسة مثل، المنظمة المتعلمة Learning Organization، وإدارة المعرفة Knowledge Management، والمسؤولية الإجتماعية CSR.
وقد عكفنا في منظمة أمم الحكمة Wisdom Nations منذ أكثر من سنة على إعداد”دليل الحكمة المؤسسية Organizational Wisdom Guide “، يحتوي على المعايير والمقاييس التي من خلال التدقيق عليها يُمكن منح شهادة الحكمة المؤسسية. كما سيقع إعتماد هذا الدليل من قبل منظمة ISO خلال مؤتمر الحكمة المؤسسية في لندن – مارس 2021 إن شاء الله.
وهكذا تُصبح الحكمة المؤسسية عنوان النجاح الأَبْرَز ومقياس الإستمرار الأَثْبَت، قبل الإبداع والإبتكار والجودة، ومن دونها تتشتت كل الجهود التقنية والجودة والتسويق. وهو ما يُحيلنا على عصر جديد من إدارة الأعمال تكون فيه السُّمْعَةُ Reputation هي عامل النجاح الرئيسي Critical Success Factor. ولعل الحصول على شهادة الحكمة المؤسسية من منظمة أمم الحكمة سيكون مدخل كل المؤسسات لبناء سُمْعة تعتمد على الحكمة وتُعزز مكانتها في عقول وقلوب الجمهور العالمي العريض.
ولمساعدة المؤسسات على التحول الحكيم Wise Transformation، تفتح منظمة أمم الحكمة الباب أمام المؤسسات والشركات في العالم العربي لمساعدتها على تحقيق هذا التحول وهذا الإنتقال والحصول على شهادة المؤسسة الحكيمة والتكريم خلال مؤتمر الحكمة المؤسسية في لندن – مارس 2021 إن شاء الله.
لذلك على كل المؤسسات الراغبة في الدخول مُبكرا إلى عصر الحكمة المؤسسية الإتصال بنا على موقعنا الموضح أسفله.
وفي المقال المُقبل سنحدثكم عن مفهوم ”حكمة الجوار Wisdom at Neighborhood “ الموجهة للبلديات والمجتمعات المحلية.