الرقم واحد ” صراع بين الآنا و الآخر “
مليكة الحامدي | سوريا
وُجّهت إليّ دعوة من المُنظّمة الإنسانية العُليا لحضور محاكمة عضوية جبرية نظّمتها هيئة العقول البشرية في مقاطعة الأدمغة الحُرة في المملكة الآدمية الوسطى.. مفادها أن الإنسان هو إنسان في كل مكان .. وسيُطلق خلالها حكم عرفيّ صارم على كل عضو بشري تسوّل له طاقته على إهانة الإنسان في أي مكان.. قبلتُ الدعوة .. وسرتُ إليهم منتشية من العنوان المدوّن على المغلف بالخط العريض.. ما أن وصلت إلى ساحة مبنى المحاكمة حتى انهالت على مسامعي أصوات جلبة تأتي من هنا وهناك، وبالكاد كنت أفهم كلمات كانت تُضرب بعرض الحائط جرّاء هذا التنظيم السنوي الشكلي.. دخلتُ من البوابة العريضة.. وإذ تحوّلت قاعة المحاكمة أمام ناظريّ إلى حلبة مصارعة حُرّة نشبت بين القضاة أنفسهم وبين الرعيّة نفسها وبين القضاة و الرعية .
استدركتُ المؤامرة اللئيمة سريعاً.. وأسرعتُ إلى صعود منبر الجمهور بعد تجاوزي الرّهيب لتلك الحشود الغفيرة المتنازعة .
وفجأة….. ظهر أمامي ممشوقاً مهيباً رغم قامته الصغيرة النحيلة، وبدا كأنّه يغريني برشوة فظيعة كي أنسحب بهدوء معتذرة من خطأ تقني ما .
تمالكتُ نفسي .. تحدّيتُ طمعي .. ومسكتُ بزمام إرادتي.. و وجدتُني باللاشعور أحمل مُكبّر الصوت بين يدي وأصيح بصوت عالٍ ..
أيها القضاة …. أيتها الرعيّة ….
جئتكم اليوم كي أبثّكم شكواي من هذا الجبار الضعيف .. الحاكم المحكوم .. المُدان البرئ ..
ماذا فعل بكم !!!!
وماذا سيفعل بعد ؟؟
أدخلتموه بيوتكم دون استئذان.. وأوليتموه عرش قلوبكم كأنّه ملك أو سلطان.. ونسختم منه ملايين النسخ.. فصنعتم بمفعوله أعداء افتراضيين أطلقتم عليهم مُسميات عديدة.. عدواً أسميتموه الدين .. وباسمه حاربتم، وقتلتم، وذبحتم، ووأدتم، وتناصبتم .
وآخر أسميتموه المال.. وعليه تنازعتم، وتباعدّتم، وثأرتم، وشرّدتم .
وعدوّاً أسميتموه العلم.. وبه تفرّقتم، وتجاهلتم، وتنافرتم.
ومثلهم أعداء كثر.. ونسيتم عدواً نصّبتم له أنفسكم.. هذا الذي يشغر المقدمة دائماً.. وصوته يعلو فوق كل صوت.. هذا الذي يغريكم بثوبه الناصع واستقامته المهيبة .
فانحنت لقامته الصغيرة جلالات إنسانيتكم وقوّة أفكاركم.. والتوت عن أهدافها الحقيقية أنوار دعواتكم فتاهت في حضرة أرواحكم جواهر أفعالكم.
وسْمَت بحضوره في قاعة التقييمات نفوس دنيئة اتكأت على أرائك غيرها فاختلطت المقامات في ساحات المكان..
و بات كل يسعى لامتلاكه لعلّه يعتلي عرش المقدمة.. كل يهفو إليه من عطاش كي يروي جفاف تربته القاحلة .
كل يتوارى خلف شعاعه كي يخفي عيوباً ركّبها لنفسه بنفسه .
وياللأسف …..
أضعتم كمّ المقادير .. وخسرتم شرف الأرقام .
فأرجوكم يا أصحاب الدعوات الإنسانية ..
لا تنظروا إلى هذا الرقم أبداً
دعوه في عرشه المُقدّس
حيثما وجدتموه بينكم أبعدوه ..
وإن كان حليفكم فحاربوه ..
وإن راودكم عن نفسه فأشيحوا عنه ..
حينها لن تُكلّفوا بنشر دعوة أسمها: (ثقافة تقبل الآخر).
أعزائي: لقد أتعبنا الرقم واحد منذ أزمان، ثم جرّ ويلاته علينا تباعاً.. وها هي أرتال أرتال من الأرقام البشرية تصعد إلى البرزخ بحق و بدون حق جراء هذا التكالب الوحشي على خانة المقدمة.. و رغم الحشود الدعوية لتقبّل الآخر ما زالت الفجوة الأنوية تتسع لتثبت أن معظم الدعوات مجرد حبر على ورق مبلل.. نستجير بالله اللطيف من ظلم الظالمين و نعوذ به من شر أنانا.