ذاكرة مثقوبة ( قصة قصيرة )
مرفت يس | القاهرة
يطل من خلف ثقب صغيربباب الزنزانة، صوت البرق يكاد يصم الأذن ومع كل ضربة برق تـنتـفض تلك الأجساد الملاصقة له بالتسبيح، رذاذ المطر كلحن يثير شجون النفس ويفتش فى أماكن بعيدة من الذاكرة، حيث ذكريات كان يظن أنه نسيها أو بالأحرى تناساها.
***
مشهد يتكرر فى أفلام الأبيض والأسود، ولا أعرف لماذا الارتباط بين الوقوع فى الخطيئة وتنقل الكاميرآ الى صوت البرق والرعد وهطول الأمطار وتلاطم زجاج النافذة
كانت فرصة سانحة، البيوت الطينية مغلقة الأبواب وسكانها ينكمش كل مع ذويه تحت الأسقف مشعلين بعض النار للتدفئة، وصنع الشاى وأكل البتاو المسخن على الكانون ليطرى فاردين على كسراته الجبن القريش مع دش حبات بصل بعلى؛ داعين الله أن لا تسقط تلك البيوت فوق رؤوسهم، ولا تخلو جلساتهم الطويلة من الثرثرة بالطبع
وقتها كان عائدآ من المدينة حيث يدرس بالجامعة ومع ضربات البرق كانت طرقاته على الباب، لتفتح فتاة عشرينية قمحية البشرة،برقت عيناها العسليتان دهشة فوضع يده على شفتيها ليتجنب شهقة كادت أن تخرجها، مشيرآ بعينيه للداخل حيث صوت سعلات عجوز ينتابه البرد ويستدفىء بجمر بعض الأخشاب وهو نائم؛ ومابين الرغبة والرهبة تكرر مشهد أفلام الأبيض والأسود .
***
أحد الأشخاص الملاصقين له بالزنزانة، يهزه ليبتعد قليلآ عن الثقب
- ياعم بتشوف إيه خلينى أبص شوية
- ياح ض الصول أحمد شوية مية سخنة والنبى خرمانين والجو تلللللللللللج
تدخل ماسورة حــديدية من الثقب ليأخذ منها الماء الساخن فى براد الشاى ويدفع بورقة من فئة العشرة جنيهات بعد ملء البراد ويجلس ليحتسى الشاي؛ تاركا له النضارة كما يطلق عليها أرباب الزنزانة ليستكمل النظر من خلالها، لعل أحدهم يأتي ليخرجه.
- ” بم كنت تشعرين يا” زينة ” في محبسك . وهل ظننتى أننى من غدر بك؟ ، أم كنت تشعرين عندما عرفنا بتنصته علينا ..أن نيته الغدر”
***
” صدقت حديث والدي وموافقته الزائفة على زواجنا، ولم أفكرفي غير تلك السعادة التي تنتظرنا، ببيت وبنت ستشبهك كثيرًا. لم أكن لأتخيل أنها مرتنا الأولى والآخيرة،لم أهتمبتلك الضجة التي استيقظتُ على إثرها بعد اليوم الخامس على لقائنا ، لجثة في النيل، لكن عندما سمعت أنها فتاة، ارتجف قلبي وشعرت بأنفاسي تتقطع وأنا أكشف الغطاء لأرى وجهك وأبي يرمقنى بنظرته الحازمة التي رأيت فيها غدره بك ياحبيبتى ، لم ينكر حينما واجهته ، حكى كيف أرسل من اختطفك وأنتِ عائدة – بعد لقائنا الذي أخبرتني فيه بحملك – ، وكيف حبسك في المقابر وحيدة،وكيف جروك من شعرك الحريرى معصوبة العينين، مكممة الشفتين وألقوا بك في النيل …”
***
لم يستطع عقله أن يستوعب فعلة والده، ترك القرية لسنوات…و لم يفكر فى العودة ثانية إلا هذه الليلة بعد أن هزه الحنين لوالدته التي تحتضر واسمه هو الشىء الوحيد الذى تنطق به منذ مرضها كما أخبره بذلك أحد أصدقائه. حزم حقيبته؛ لكنه نسى أوراقه وبطاقة هويته فتم اقتياده للحبس مع المشتبه بهم فى إحدى السيارات التي استوقفتها حملات المرور للتفتيش على طريق القاهرة الصعيد؛ لينتظر فى محبسه ، فرصة ليتواصل مع أحدهم ليخرجة
ومع طلوع النهار، فتح أحد الحراس الزنزانة مناديآ عليه ليصطحبه ويخرج بضمان كهل كبير السن يتكىء على عصاة غليظة وظهره محنى وبياض حالك يكسو شعره وحاجبيه ، استند عليه وخرجا ……….
في المنزل ارتمى بين أحضان والدته يتلمس دفء فقده لسنوات طويلة، وتوسلات لعجوز يربت على ظهره بجوارهما…..!!!!!!