أحاديث المخيم.. (تفاحة أبو زرد) امرأة بحجم وطن
محمد حسين | كاتب فلسطيني – سوريا
الليل يطوق جنبات القرية بهدوئه، يعصرها بين يديه كبرتقالة أينعت منذ زمن ، يطل برأسه على باحات البيوت يريد أن يخبر أهلها عن شيء سيحصل .
الحجة تفاحة الجالسة أمام ماكينة خياطتها تخيط الثياب لأهل القرية، بناتها يتجمعن حولها بانتظار طعام العشاء، الحج حسن مطاوع يتقلب في فراشه لم ينم بعد.
الحجة تفاحة: (مالك يا حسن شوفي؟)
الحج حسن: (مافي شي لكنني غير قادر على النوم لدي أحساس ان هناك شيئا ما سيحصل)
الحجة تفاحة: نام إن شاء الله مافي شي.)
يقترب الليل من منتصفه فجأة دوي الرصاص يسمع في كل الاتجاهات.
الحج حسن (ما حكيتلك يا تفاحة في شي هاي شباب القسام اشتبكوا مع الإنكليز واليهود)
الحجة تفاحة: يسلم إيدهم الله معاهم…
الاشتباكات بقيت متواصلة، في الصباح يطلب الحج حسن من تفاحة مغادرة القرية خوفا عليها وعلى البنات، تغادر تفاحة إلى قرية مجاورة (عين غزال) تستقر فيها عدة أيام وتعود.
الحجة تفاحة ( شو صار يا حسن بغيابي احكيلي…
الحج حسن: شباب القسام عملوا كمين لدورية من الإنكليز واليهود واشتبكوا معاهم وقتلوا عددا منهم.
الحجة تفاحة: يسلم أيديهم شباب القسام والله يا حج أنا جاهزة أكون معاهمأساعدهم بأي شي.
الحج حسن: والله أنت أخت الرجال.
تمر الأيام والسنون والحجة تفاحه تعمل بدون كلل على ماكينة الخياطة، وتربي بناتها.
الحجة تفاحة: (اسمعت يا حاج الصهاينه عم يعملوا مجازر بالقرى المجاورة وأي شخص بلاقوه بطخوه وفي ناس تركت قراهم )
الحج حسن: (يلي بصير على الناس بصير علينا)
في أحد النهارات والشمس تميل إلى الارتفاع، تحاصر القوات الصهيونية قرى (اجزم، جبع، عين غزال) وتطلب من الأهالي المغادرة، يأتي الجواب بالرفض، تقصف هذه القرى، وبعد مقاومة شرسة تخرج الأهالي إلى ضواحي مدينة جنين، ومن ثم إلى الأردن فسورية، تحمل الحجة تفاحة ماكينة الخياطة على الجمل من فلسطين الى الاردن ومن ثم إلى سورية هذا رأس مالها، وتبدأ رحلة المعاناة الجديدة مع الحجة تفاحة في المخيم، تنجب ابنتين بالمخيم ليصبح عدد بناتها سبعة، تعمل الحجة تفاحة على الماكينة مرة أخرى لتساعد زوجها في مصروف البيت، بعد أن استقرت في المخيم تزوج الحاجة تفاحة ثلاثة من بناتها وتتابع مشوار كفاحها، بعد عدة سنوات يتوفى الحج حسن مطاوع زوجها عام (١٩٥٨) ويترك لها البنات الأربع، تواصل الحجة تفاحة العمل خلف ماكينة الخياطة، حتى خف نظرها وأصبحت غير قادرة على العمل خلف الماكينة، لم تستسلم الحاجة تفاحة، تفتح دكانا صغيرا في المخيم وتتابع مواجهة الحياة بكل قوة، تربي بناتها وتعلمهم حتى وصلوا إلى مراتب علمية مهمة.
رحلة قاسية من فلسطين إلى المخيم بسوريا والحجة تفاحة تصارع كل الظروف وتقهر المستحيل وتنتصر، هذه واحدة من أيقونات مخيمنا وشعبنا لديه الكثير منها.
عندما استوحشت الحياة رفعت نساؤنا عن سواعدهن متحديين…