البحث عن أينشتاين

محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

روت إحدى الأساطير الألمانية قصة مثيرة تشير إلى أن هناك كهفاً اسمه العبقرية، ومن حق كل إنسان أن يذهب إليه وأن يدخله شريطة أن يدفع الثمن، وكل من يلج هذا الكهف يدفع ثمناً مختلفاً، ولا يعرف الإنسان قدر ما سيدفع من ثمن أو نوع ما سيدفع من مقابل، ولا ينبغي له أن يسأل عن ذلك، ولا أن يعرف قائمة أسعار العبقرية، ولكن المؤكد أن الإنسان حالما يدخل الكهف سيجد نفسه ودون أن يشعر قد دفع الثمن المطلوب للعبقرية، دفع شيئاً مادياً من صحته وراحته وساعات نومه، أو سعادته أو نصف عمره أو أكثر أو أقل.. إنها العبقرية التي ينبغي أن تدفع ثمنها إذا أردت أن تكون عبقرياً، وقد يدفعه من حولك من المحيطين بك. 

وقد صور الشاعر والأديب الدنماركي هانز أندرسون هذا المعنى في قصة كتبها وهو في الثالثة والسبعين من عمره، القصة اسمها الصحوة وموضوعها أن رساماً كبيراً في السن قد التقى بالفتاة الجميلة التي كان قد اتخذها نموذجاً للوحاته الفنية وعندما التقى بها في شيخوخته اكتشف قدر جمالها، وساءه انشغاله عنها وقد كانت أمامه طيلة الوقت. ولكن خشية التقصير في فنه حالت دون استمرار هذا الحب. فقرر أن يظل مشتغلاً بلوحاته الفنية على أن يصغي لهذه المعاني الجميلة. لقد أحب فنه أكثر، ودفع ثمناً لعبقريته، كما دفعت زوجته الثمن أيضاً؛ فقد أدركت أن الحياة مع العبقري هي التعاسة بعينها. ويتساءل أندرسون في نهايةالقصة عن عدد الذين أضاعوا الحياة بسب عبقريتهم؟ ففي رأيه أن العباقرة لا سلطان لهم على أنفسهم، فهم يعيشون ويبدعون ويموتون تبعاً لما خُطَّ لهم وما أُودع في خلاياهم من جينات العبقرية. والمهم هو حضانة المواهب، ورعاية العباقرة، فهؤلاء قد خُلقوا لحكمة بالغة.

وأظن أننا جميعاً لدينا كهف إبداعنا، فلتبحث عن أينشتاين الذي بداخلك وقل لنفسك هذا أنا، فيقيني أن كل إنسان لديه شكل من أشكال العبقرية، واستخدم خيالك بشكل دائم بحيث يصبح عادة عندك. ولتعلم أن مستقبلك لا يتحدد من خلال ظروفك؛ وإنما نمط تفكيرك الذي يحدد من ستكون؛ وأسلوب تصرفك هو ما يحكم مصيرك، وعندما تمثل شخصية العبقري فسوف تحصل على الطاقة والإلهام. ولك أن تعلم أن كهف العبقرية يمكن أن تنهل منه يومياً 45 ألف فكرة إبداعية، والبارع الحقيقي هو من يلتقط بعض هذه الأفكار ويجسدها حقيقة في حياته فتمثل وَثَبَات فارقة في الحياة، ساعتها يهون ثمن العبقرية نظير ما قدمت للعالم من إنجاز.