ما هي معايير تحديد الموهبة أو التعرف على الموهوبين؟
د. أسامة محمد إبراهيم | أستاذ علم النفس التربوي (تربية الموهوبين) – جامعة سوهاج
اقترح عالم النفس الأمريكي روبرت ستيرنبيرغ عام نظرية يمكن من خلالها الحكم على الشخص الموهوب باستخدام خمسة معايير هي: معيار الامتياز، معيار الندرة، معيار الإنتاجية، معيار الإثبات (البرهان)، معيار القيمة:
(1) معيار الامتياز:
يوضح معيار الامتياز أن الفرد الموهوب يجب أن يتفوق في بُعد ما أو مجموعة من الأبعاد على قرنائه (من هم في مثل فئته العمرية)، فحتى يكون الفرد موهوباً لابد أن يظهر تفوقاً عالياً في مجال معين، وقد يتنوع هذا التفوق من مجال إلى آخر، إلا أن الفرد الموهوب ينظر إليه على أنه متمكن جداً في مجال معين، والامتياز النسبي (امتياز الفرد بمقارنته بقرنائه) شرطاً ضرورياً للحكم على الفرد بأنه موهوب.
إن الكفاءة القائمة على”نسبة القرناء” ضرورية لأن دلالة الامتياز تعتمد على مهارات هؤلاء الأفراد الذين يحكم على الفرد بأنه موهوب بمقارنته بهم، فدرجات طفل في عمر العاشرة تعتبر درجات عالية جداً لو قورنت بدرجات أطفال في نفس السن، في حين تعتبر درجات هذا الطفل عادية بالنسبة لأطفال في الخامسة عشر.
(2) معيار الندرة :
يوضح معيار الندرة أنه من أجل الحكم على الفرد بأنه موهوب، فإنه يجب أن يكون لديه ميزة فريدة أو نادرة إذا ما قورن بقرنائه.
إن معيار الندرة ضروري لكي يكمل معيار الامتياز لأن من الممكن أن يظهر الفرد تفوقاً كبيراً في مجال أو ميزة ما ولكن ما لم يحكم على هذا المجال أو هذه الميزة على أنها نادرة فإن الفرد لا يمكن الحكم عليه بأنه موهوب. فلو افترضنا أننا قمنا بإعطاء طلاب المستوى الأخير في قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة اختبار يقيس أساسيات اللغة الإنجليزية فإن هؤلاء الطلاب سوف يحصلون على درجات عالية لأنهم أكفاء في أساسيات اللغة الإنجليزية، وحتى لو حصل هؤلاء الطلاب على درجات نهائية لا يمكن الحكم عليهم بأنهم موهوبين. وبالتالي فإنه ما لم يكن المجموع العالي للدرجات نادراً فإنه لا يمكن الحكم على الفرد الذي يحصل على مجموع درجات عالية بأنه موهوب. إن ما يعنينا هنا ليس فقط الأداء العالي ولكن نسبة تكرار هذا الأداء العالي للفرد بمقارنته بأداء قرنائه. وهذا يجعلنا نتذكر المثل القائل بأن الأعشى وسط العُميان بصير، لذا فإن ما يكون عالياً ونادراً في وسط ما قد يكون عادياً أو أقل من المتوسط في وسط آخر.
(3) معيار الإنتاجية:
يوضح معيار الإنتاجية أن الأبعاد التي يتم من خلالها تقديم الفرد على أنه متفوق يجب أن تؤدى إلى الإنتاجية.
إن معيار الإنتاجية يولد وجهات نظر مختلفة حول من هو الفرد الذي يمكن الحكم بأنه موهوب. فالبعض، على سبيل المثال، يعتقد أن الدرجات العالية التي يحصل عليها الفرد في اختبار الذكاء ليست كافية في الحكم عليه بأنه موهوب. فيرى Gardner 1983 أن مثل هذه الاختبارات ليس لها معنى لأن الدرجات العالية التي يحققها الفرد في هذه الاختبارات لا تظهر أن الفرد قد قام بعمل أي شيء. والبعض الآخر يرى أن درجات الفرد العالية في اختبار الذكاء يمكن النظر إليها على أنها برهان لعمل الفرد، وعلى أسوأ الأحوال فإن هذه الدرجات يمكن النظر إليها على أنها تظهر جهد الفرد وطاقته للإنتاج.
وفى مرحلة الطفولة من الممكن الحكم على الطفل بأنه موهوب دون كونه منتج, لأن الأطفال يتم الحكم عليهم من خلال طاقتهم أكثر من الحكم عليهم من خلال إنتاجهم. وبمرور الوقت وتقدم السن فإن المعايير النسبية لهذه الطاقات تتغير وتتركز على الإنتاجية الفعلية لهؤلاء الأفراد. إن أي عدد من الأطفال الموهوبين يصبحون بالغين عاديين ولا أحد ينظر إليهم على أنهم فائقين. ومع ذلك فإن أهمية الجهد أو الطاقة لا يمكن إغفالها كأحد اعتبارات الموهبة، لأن هذه الطاقة يمكن أن ينظر إليها على أنها مؤشرات لأداء أفضل في المستقبل.
إن الأفراد الذين لا يدركون جهدهم أو يحققون طاقتهم خلال عمل إنتاجي يمكن أيضا الحكم عليهم بأنهم موهوبين ولكن ببعض الكفاءات، فهؤلاء الأفراد يمكن النظر إليهم على أنهم موهوبين غير أن موهبتهم لم تترجم إلى عمل مادي ملموس أو أن موهبتهم توقفت عند نقطة معينة، أو يمكن النظر إلى مثل هؤلاء الإفراد على أنهم تم تصنيفهم بطريقة خاطئة. ومن وجهة نظرنا فإن هؤلاء الإفراد تم تصنيفهم على أنهم موهوبين بسب قدرتهم أو طاقتهم على أنتاج شيء ما، ويستمر هذا التصنيف طالما وجدت هذه الطاقات سواء تم إدراكها أو لم يتم. أما في حالة فقدهم لهذه الطاقة (ويظهر ذلك من خلال اختبارات مبكرة) فيمكن الحكم عليهم على أنهم غير موهوبين الآن دون إنكار موهبتهم في الماضي.
وباختصار فمن أجل تصنيف الفرد على أنه موهوب يجب عليه أن يكون لديه الطاقة والجهد للإنتاج في مجال معين، فالأفراد الذين لا يمتلكون هذا الجهد أو هذه الطاقة لا ينظر إليهم على أنهم موهوبين مهما أظهروا من امتياز في مجال ما ومهما كانت ندرة هذا المجال.
(4) معيار الإثبات (البرهان):
يوضح معيار الإثبات (البرهان) أن تفوق الفرد في المجالات التي تحدد موهبته يجب أن يتم إثباتها من خلال اختبار أو أكثر بشرط أن تكون هذه الاختبارات صادقة.
فالفرد يحتاج لأن يبرهن بطريقة أو بأخرى على أنه يمتلك القدرات أو الأداء الذي أدى إلى الحكم عليه”بالموهبة”، فالفرد الذي يحصل على الدرجات ضعيفة في كل الاختبارات والمقاييس التي تستخدم في التقييم يكون بذلك غير قادر على أن يبرهن بأي طريقة على امتلاكه لأي من القدرات الخاصة ولا يمكن الحكم عليه بأنه موهوب. ويجب أن تكون أدوات التقويم صادقة وثابتة. فالصدق والثبات عنصران هامان في عملية التقويم.
(5) معيار القيمة :
يوضح معيار القيمة أن الفرد الذي يحكم عليه بأنه موهوب يجب أن يظهر أداء متميزاً في مجال له قيمة بالنسبة لمجتمع هذا الفرد. إن الفرد الموهوب يحكم عليه في ضوء قيم مجتمعه الذي ينتمي إليه، وفي ضوء قيم عصره وزمانه.
على سبيل المثال، أحياناً يعتبر أحد الباحثين متميزاً عندما يقوم بنشر أعمال أو مقالات جديدة لم يسبق أن تناولها باحثون آخرون، ومع ذلك فإن مقالاته قد لا تحدث أي أثر في المجال الأكاديمى فهل يعتبر هذا الباحث أكاديمياً موهوباً؟ فهذا الباحث لديه ذكاء ومعرفة نادرتين وهو بالتأكيد يعتبر منتجاً وقد يعتبره الآخرون (من غير الأكاديميين) موهوباً، ولكن العلامة المميزة لأهمية المقال الأكاديمى هي مقدار ما يحدثه من إثارة للباحثين كتقديم منظور جديد لأعمالهم أو فتح مجالات جديدة للبحث. فإذا لم يتوفر للمقال الأكاديمى هذه الميزة، فلا يمكن الحكم عليه بأنه ذا قيمة في المجال، ومن ثم فإن هذا الأكاديمى لا يعتبر موهوباً من وجهة نظرهم.
كذلك فإن الشخص الذي يعتبر رقم (1) في مكتب التحقيقات الجنائية قد يكون متميزاً في مجال أو بعض المجالات وقد يكون هذا الشخص بارعاً في القيام بالكثير من الأعمال المؤذية وأنه قادر على أن يثبت مهاراته عندما يحتاج الأمر، فقد يكون هذا الشخص لدية إنتاجية عالية ولكنها بطريقة إجرامية. ولكن لأن ما يتميز به هذا الفرد لا يقدره المجتمع فإن هذا الفرد لا يصنف على أنه موهوب من وجهة نظر عامة المجتمع، ومع ذلك فإن هذا الفرد يمكن أن يصنف على أنه موهوب من وجهة نظر شرذمة من اللصوص.
هذه النظرية تقدم نمطا عمليا من خلاله يمكن تحديد الموهوبين، ويمكن من خلاله أيضاً الحكم عليهم طبقاً لمعايير دقيقة وصارمة.