تجاعيد الماء (62) للدمع مكان آخر

سوسن صالحة أحمد | كاتبة وشاعرة سورية – كند

 

حكاية أعمار من الحزن في عينيها، في ضجة لا تهدأ، تتحرك حدقتاها وكأنها اعتادت البحث في كل الأمكنة، تنظر إلى بقايا تراب عفن مخضب بماء آسن على يديها، ما فتأ يأكل بذرا تزرعه، تبحث عن أي أثر لنبت انمحقت بذوره في ماء غريب، لا تستجيب لماء السماء وكأنما تآلفت مع موسيقا الشيطان فما عادت تهتدي لنغم الناي.
للدمع مكان آخر، وشهقت في روحها مدية الألم، تبتلعها خشية جرح سواها بلفظها، أخشى ما تخشاه إيلام الآخرين أو آه تخرج من صدرهم بسببها، تجمع آهاتها واحدة واحدة في فقد إنسان، ذاك الذي مازالت تحلم به منذ صنعته مخيلتها الأنثى، كما رآه قلب وعيها، ولعلها اليوم أدركت أن عليها التوقف وإعلان الفشل في أسفار جمعت لها سنينا من التجوال حتى ملتها المحطات وأعلنت العصيان تذاكر السفر، حين أصبحت لا ترى إلا تكرارا للدروب بكل ما فيها من صور. . بريق النظرة الأولى، ثم بهتٌ متداخل المعالم متوحد باللون كصورة قديمة منسية لدهر.
للدمع مكان آخر، و انكفأت منطفئة كشعلة دست جذوتها في الرمل، فما عادت تشتعل و لا تترمد! ، حاولت صنع واقع لها مختلف، غير أنها كانت تحلم بحلمها، لم تكتف بما هو موجود، هو خارج دائرة ضوئها، ألوانه لا تشبه لون سماء زرقتها، لا تشبه نغم قصيدة تغنت بها للجمال والصدق، فبان كل شيء ككل شئ، لا اختلاف ولا تميز، لا ريح تعترف للريح أنها ريح.
للدمع مكان آخر، ومدت يدها تقطف الصدق من الفراغ، تتباكى عيناها بدمع لايسعفها، بما يشبه الخدر، أكَلَّت نظرها وتمتمت: أصعب الألم مايحبس الدمع فتبكيه داخلك بعيني قلبك ودمع روحك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى