وجهة نظر في أضحية العيد
د. محمد قاسم بن ناصر ابو حجام | الجزائر
نظرًا للظّروف الصّعبة التي يعيشها العالم؛ بسبب نفشّي فيروس كورونا، وما أصاب به البيئة التي يتحرّك فيها الإنسان من اضطرابات ومضاعفات خطيرة ومؤثّرة على حياة البشر، ونظرًا لنقص الوعي عند النّاس لفهم طبيعة الوضع، وإدراك حقيقة تصرّفاتهم، واستيعاب مآلات تحرّكاتهم، وباعتبار أنّ الأضحيّة سنة وليست واجبة، وهي في الأصل قربة إلى الله، وعبادة يرجى أجرها عند الله، يُشترط فيها إخلاص النّيّة، وعدم الإضرار بالنّفس .. فإنّ التّصرّف مع هذه الشّعيرة يقتضي إدراك مقاصد الشّريعة في القيام بهذه السّنّة، كحفظ النّفس، وتطبيق قاعدة لا ضرر ولا ضرار، واستصحاب ضابط: درء الـمفسدة مقدّم على جلب الـمصلحة، وما دام الهدف من الأضحية هو القيام بعمل صالح، يفيد منه صاحبُه، وينتقل نفعه إلى غيره، أساس ذلك والـمنطلق والـمنتهى هو تقوى الله: …لن يَّنالَ اللهَ لُـحومُها ولاَ دِماؤُهَا ولكنْ ينالهُ التّقْوَى منكمْ كذلِكَ سخّرَهَا لكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ علَى ما هدَاكُمْ وبَشِّرِ الـمُحْسنِينَ (الحجّ/37)
نظرًا لكلّ ذلك فإنّ الحكمة تقتضي التّصرّف مع الأضحية في هذه الظّروف بما يحقّق الـمقصد الشّرعي، ويضمن الـمنفعة العامّة، ويقي من الأضرار ويمنع الشّرور.. أرى أنّ صرف الـمبالغ التي تنفق في الأضحية في سبيل ضمان حاجات النّاس من الدّواء والغذاء وإنقاذهم ممّا يعانون منه من مشاكل وصعوبات؛ نتيجة تداعيات فيروس كوررنا.. فهذه هي السّبل الحقيقة للإنفاق في سبيل الله؛ بقصد التّقرّب إلى الله، وأداء شعيرة، تأخذ طابع العبادة الحقيقيّة.. أرى أنّ أولى من الـمخاطرة بالتّقرّب بأضحية في هذا الوضع غير السّليم..
إنّ ما تحمله الأضحية من مظاهر، تنتج عنها مخلّفات، تسبّب الأضرار للنّاس؛ بسبب نقص الوعي والفهم وامتلاك حسّ حضاري وذوق سليم لحسن التّصرّف مع تلك الـمظاهر الـمصاحبة للأضحية، وفقد خلّة التّحكّم في شهوات النّفس ورغباتها، ونقص في الإرادة للتّقيّد بالتّعليمات والإرشادات الدّينيّة والصّحيّة والاجتماعيّة.. ممّا يترتّب عنها من أوزار وآثام، يكون صاحبها مسؤولًا عنها يوم القيامة، يصبح القيام بهذه الشّعيرة من أمثال أولئك المتهوّرين، وممّن ليست لهم القدرة على التّحكّم في تصرّفاتهم، وليست لهم القابليّة للانصياع لقواعد السّلامة والانضباط والنّظام وتوخّي الحذر والاحتياط من إهلاك النّفس. (ولا تقتلوا أنفسكم، ولا تلقوا بأنفسكم إلى التّهلكة). يصبح التّقرّب بالأضحية بالشّكل الـمعتاد خطرًا كبيرًا على الأفراد والجماعات.
وجهة نظري الخاصّة، أن يتقرّب الـمؤمن الواعي الـمدرك الفطن.. إلى الله بصرف ثمن الأضحية على الفقراء والـمساكين والـمحتاجين والـمرضى والـمعوزين،، ومن هو في حاجة لتأمين حاجاته..، بدل الـمخاطرة بما يجلب الضّرر ويوقع النّاس في حرج والله أعلم.
لا ننسى ما جاء في الأثر: داووا مرضاكم بالصّدقة، ادفعوا أنواع البلايا بالصّدقة، ولا نغفل عن قول ربّنا الرّحيم الرّؤوف: (والذينَ في أَمْوالِهِمْ حقٌّ معلومٌ للسّائل والـمحْرُوم) (الـمعارج/ 24، 25).. ورد في الأثر: أنّ في مال الـمسلم حقًّا غير الزّكاة، يصرف لـذوي الحاجات.. نسأل الله أن يوفّقنا لفهم حقيقة العبادة، وإدراك مقاصد الشّريعة، وأن يهدينا للأقوم من الأعمال، منها حسن التّصرّف مع الضحية بما يحقّق الهدف، وهو حسن العمل، ويوصل إلى الغاية وهي رضوان الله.
نسأل الله الفهم العالي لأمور ديننا، والوعي الكامل لشؤون حياتنا، والإدراك الـمقبول لـما نفكّر فيه ونقوم به. وهو الهادي إلى سواء الصّراط. ربّنا آتنا من لدنك رحمة وهيّءْ لنا من أمرنا رشدًا.
يوم الخميس: 02 من ذي الحجّة 1441هـ
23 من يوليو 2020م