كفانا شخيرًا!
حسن عبادي | محام فلسطيني
رتّبت للقاء ثلاثة أسرى في مستشفى/مسلخ/سجن الرملة سيّئ الصيت؛ إثر إشاعة بإصابة أسير بالكورونا واهتمام صفحة “صوت الأسير” التي يديرها الأسير المحرّر خالد عز الدين بالأمر وتمهيدًا لإطلاق الحملة الدوليّة نتاج حراك للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، يشمل كلّ ألوان الطيف السياسيّ الفلسطينيّ، لإنشاء لجنة عالميّة للدفاع عن حقوق الأسرى.
في طريقي استعدتُ ما كتبه الأسير الراحل زهير لبادة في مجموعته القصصيّة “آهات من سجن الرملة”(عانى من فشل كلويّ وأمضى فترة اعتقال طويلة في مستشفى سجن الرملة، أُفرج عنه بعد تدهور حالته الصحية بحالة غيبوبة، تم نقله إلى غرفة العناية المكثّفة في مستشفى نابلسيّ ليموت بعد أسبوع من إطلاق سراحه) التي دوّن فيها رحلة عذاب الأسرى المرضى نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمّد.
التقيت الأسير إياد فوزي عبد الكريم رضوان؛ لم أعرفه من قبل، وكعادتي قبيل لقاء كلّ أسير لا أغوغِل حوله كي لا أبني صورة نمطية مُسبقة، وحين عرّفني على حاله قال: المعروف ب”طبنجة”، لكسر الحاجز الأوّلي. سألت عن سرّ تسميته فابتسم وقال لي إنّي أعدته لطفولته، فمنذ دخوله السجن لم يُسأل هاذا السؤال، ولُقِّب بهذا اللقب لأنّه كان طفلًا سمينًا.
حدّثني بحماس عن ناهض/منصور/خالد/معتصم/صالح/موفّق وغيرهم، فهم رفاقه في المسلخ(يوجد 17 مريضًا)؛ منهم من بُتِرت رجلاه، “بطنه برّا”، شللًا كاملًا، مرض الأمعاء، سرطان المعدة، الفشل الكلوي، أمراض القلب، البواسير، ألم الأسنان، ألم الرأس المُزمن، وجع الظهر، الأزمة، عمليات في العيون…ومحمد ابن التاسعة عشرة مع مرض السرطان بين الحياة والموت، كلّ منهم مشروع موت مؤكّد!
حدّثني بحِرقة عن التقصير تجاههم، فهم منسيّون ومهمّشون، لا أحد يهتّم بهم، قال لي: “جبال لو حطّناها هون بتنهار!”، لا نريد جنازات رئاسيّة رسميّة ونياشين، بدنا نعيش. الكلّ نيام وشخيرهم وصل لبعيد. كفى!!
بدأ في الآونة الأخيرة حراك للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، يشمل كلّ ألوان الطيف السياسيّ الفلسطينيّ، لإنشاء لجنة عالميّة للدفاع عن حقوق الأسرى، وخاصّة الاهمال الطبّيّ والواقع المأساويّ فيما يُسمّى بمشفى سجن الرملة، ممّا يتوجّب تعزيز الأدوات القانونيّة والإعلاميّة لمواجهة حملة التشويه المستمرّة من قبل سلطات الاحتلال ضدّ الأسرى الفلسطينيّين، وتحديدًا على الصعيد الدوليّ، بمشاركة فعّالة للجاليات والمؤسّسات الفلسطينيّة الفاعلة في الخارج.
تدويل قضيّة الإهمال الطبّيّ للأسرى، لمنع القتل القادم، لعلّ وعسى أن ينفع الضغط العالميّ في تحريك هذا الملفّ الشائك؛ مقاضاة سلطة السجون، محليًّا وعالميًّا، لتشكّل ضغطًا على السلطات من أجل صحّة أسرانا المرضى وعلاجهم.
ملاحظة لا بدّ منها؛ مشاهدة أسير يسمع نتيجة الفحص بأنّه غير مصاب بالكورونا، وزفّ البشرى لوالدية سعادة لا توصف!
لك عزيزي إياد أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.