بيروت
حسين جبارة / فلسطين
بيروتُ نارٌ تصهرُ الإحساس
توقدُ في الهشيمِ الطاهرا
عانتْ نعيبَ البومِ والغربانِ
يَصْلي باللهيبِ وبالردى
عبرتْ مخاضَ جهنّمٍ قد جاءَ يهلكُ نسلها
ما استسلمتْ
ردّتْ بحَرْثٍ
حاملًا روحَ الغداةِ بشائرا
الدمعُ غيثٌ يطفِئُ النيرانَ يجري دافئًا
بالسيلِ يُروي الأمنياتِ
يخطُّ حلمًا زاهرا
غضبي يطاردُ نهجَ قومٍ عاجزٍ
يَعِدُ الضحايا بانتفاضةِ ماردٍ
بذراعِهِ يكسو المقابرَ حُلّةً وأزاهرا
يمحو الأنينَ بصدرِ طفلٍ عالقٍ
والشمسَ يزرعُ في براءةِ طفلةٍ
ليلًا يُضيءُ ينيرُ وعيًا قادرا
الصّبرُ يمسحُ أنّةً
يجلو زفيرًا حارقًا
ويُزيلُ حسرةَ ثاكلٍ
فيصوغها تنهيدةً أوهدأةً
ذا إيلُ يمنحُهُ الندى
يستوعبُ الحزنَ الشّفيفَ مُعقّمًا
ويُحيلهُ الطاقاتِ تشحنُ ثائرا
بيروتُ نورُ الفجرِ يبزغُ ساطعًا
يُعلي الأذانَ مُهدهدًا ومسبّحًا
كم يقرعُ الأجراسَ تدعو كاهنًا ومصلّيًا
صوتُ المعابدِ يستحيلُ مؤازرًا ومناصرا
الموتَ تحقنُ بالحياةِ مدينةٌ
تستبدلُ النزعَ المُخيفَ بنفحةٍ
تستصلحُ الأرضَ المواتَ جنائنًا
وتزفُّ من تحتِ الرّكامِ حواضرا
بيروتُ أنثى تستجيبُ لعاشقٍ
تَلِدُ الإباءَ موشّحًا بكرامةٍ
تلدُ الرجالَ يعانقونَ أسنّةً
يبنونَ قرطاجَ الحديثةَ يعتلونَ بواخرا
تلدُ الصبايا الماجداتِ يقُدْنَ عزّةَ أمّةٍ
هنَّ اليمامُ يطفنَ حولَ رحابها
هنَّ الصقورُ تصونُ أبراجَ العلا
يحمينَ جوًّا ثمّ بحرًا هادرا
النارُ تخمدُ بالمحبّةِ بالتسامحِ بالهوى
يا نارُ كوني رأفةً ونسائمًا
بردًا سلامًا
واحفظي للأرزِ حرْجًا كانَ أخضرَ عامرا
بيروتُ وجهُ الحُسْنِ باريسُ المها
صرحُ الحضارةِ والفنونِ مسارحًا ومعارضًا
أضواءُ ليلٍ حالمٍ وقدودُ ظبيٍ فاتنٍ
بالحبِّ تُلهمُ ناثرًا
بالشوقِ تُلهبُ شاعرا
يا عشتروتَ الجمالِ وربّةً
الجُرحُ ينزفُ، للضميرِ مؤنّبًا ومؤبّنًا
يا عشتروتُ تُقارِعينَ مُحَرِّقًا بعث اللظى
تتعاركانِ تلاحمًا وتصادمًا
الجَرحُ يهدمُ أنتِ تبنينَ السماءَ تُزيّنينَ كواكبًا
أشمونُ يُشفي باكيًا
والبعلُ يوفي الأرضَ غيمًا ماطرا
قُمْ طائرَ الفينيقِ
مِن بينِ الرمادِ بخفقةٍ
قَطَراتِ إكسيرِ الحياةِ أدِرْ بكأسِ أميرةٍ
أعِدِ الصباحَ لمرفأٍ
لأناملٍ نسجتْ خيوطَ البوحِ لحنًا عابقًا
وابعثْ جناحكَ في المداخلِ كاسرا
صُدَّ الأذى واحمِ الورى
هاتِ الخلودَ مُثابرا