التديّن الجيد والتديّن السيء
حازم القواسمي | فلسطين
نعم هناك تديّن جيد وهناك تدين سيء، فليس كل تدينا جيدا وكذلك ليس كل تديناً سيئا. ولكن كيف نعرِف التديّن الجيد من السيء، فالناس أصبحت مشوشة في الحكم على الديانات والمتدينين، خاصة مع الالتباس الذي أوجده بعض المتدينين من خلال سلوكهم السيء بالرغم من لبسهم الديني وإطالتهم للحيتهم سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود أو حتى من الهندوس.. ولا نريد أن ندخل في هذا المقال في الحكم على الديانات وأصولها، بل سنفترض أن جميع الديانات في العالم هدفها الصلاح والدعوة للخير ونصرة المظلومين ونشر العدل.
لذلك وببساطة، فالمتديّن، وبغض النظر من أي دين، إذا كان يعمل على تلك الأهداف، فهو متدين صالح. وهذا النوع من المتدينين قلائل هذه الأيام أو نكاد لا نراهم أو نسمع لهم صوتا. فهذا الصنف من المتدينين متواضع ومحترم ذو أخلاق عالية، ولا يركض وراء المال والشهرة والجاه والسلطة، ولا يتدخّل في حياة الآخرين، بل يساعد الناس بمختلف أجناسهم قدر ما يستطيع. وهو مسالم ومحبوب من أهله وأصدقائه لأنه يؤثر من حوله على نفسه ودائم التضحية بمتطلباته من أجل مساعدة الآخرين. وفي ذات الوقت يحترم الجميع بغض النظر عن تدينهم وعدم تدينهم.
أما المتديّنون السيئون، وهم كثر هذه الأيام، فهم أولئك الناس المتمسكين بالدين شكلاً وليس مضمونا. تراهم يصلون في المعابد الدينية في الصفوف الأولى، ويلبسون اللباس الديني سواء كانوا رجالا أم نساء، ولا يتحدثون إلا بآيات من القرآن والإنجيل والتوراة. وهم في ذات الوقت يسرقون ويكذبون ويقتلون ويفعلون كل الجرائم. وتجدهم يتحدثون عن الدين في الفضائيات وهم أبعد ما يكون عن الأخلاق والاحترام. وتجدهم أعضاء متشددين في جماعة إسلامية أو طائفة مسيحية أو يهودية، وكل همهم القتل والجاه والمال. وما أعضاء داعش إلا تتويج لهؤلاء الأشكال من المتدينين، الذين طغى الإجرام والحقد على عقولهم. وهناك رجال دين من كافة الديانات من له برنامج أسبوعي على الفضائيات يدرّس فيه الحقد والكره الاعمى للبشر والبشرية، ويقومون بالتحريض على قتل الآخرين بحجج وتبريرات واهية. إن المتدينين السيئين تفوق أعدادهم بكثير عن المتدينين الصالحين، وأصبح التدين السيء كالفيروس المعدي ينتشر بسرعة مهولة بين البشر من جميع الديانات. فالمتدين السيء لا يتقبل الرأي الآخر، وكل من يخالفه كافر مجرم يجب نبذه وقتاله، ولا يحترم الديانات الأخرى ويشيطنها، ولا يحترم أي فكر ليس مثل فكره المتطرف. ولا يؤمن بالمساواة بين البشر، ولا بحقوق المرأة ويؤمن فقط بالقوة والسلاح لقمع الآخرين وتركيعهم والسيطرة عليهم. فالشكل متدين، ولكن الفكر همجي متخلف، يتمسك بالعادات والتقاليد السيئة والتاريخ، لأنه عدو للحاضر والمستقبل.
إن الناس التبست عليها فهم الأمور المتعلقة بالديانات وتطبيقاتها وسلوك المتدينين السيئين الذي لا يتطابق مع أبسط قواعد الخير والصلاح. فالخير واضح والشر واضح جدا، والاساس أن تقترن الديانات بالخير، ويقترن سلوك أتباعها بفعل الخير. أما الحاصل اليوم، فالتمسك بالدين واللباس الديني للرجل والمرأة أصبح موضة يتباهى بها المتدينون، كما يتباهون بالصلاة في الشارع أمام الناس. ولم تعد تثق الناس بشكل عام بالمتدينين من شتى الديانات، بل أصبح سلوك المتدينين السيئين أكثر سوءا من قطّاع الطرق واللصوص، لأنهم يظهرون شيئاً ويبطنون شيئاً كلّيا مختلف ويخدعونك من حيث لا تدري. فلم يعد بسهولة الوثوق برجال الدين، من مختلف الديانات، ناهيك عن رجال الدين الملتصقين بالحكام، وكذلك التنظيمات المتشددة الذين قلبوا الديانات رأساً على عقب. وأصبح العنف والنفاق والكذب والغش والخداع ظاهرة متفشية في المجتمعات المتدينة من حيث الشكل. وأصبحت الشعائر والصلوات والطقوس الدينية عند البعض مظاهر لخداع الناس وسلب أموالهم والاحتيال عليهم.
وما أحوجنا هذه الايام للصدق وعمل الخير والاحترام والمساواة والعدل والعدالة الاجتماعية، سواء أكانت مرتبطة بالدين أم لا. وما أحوجنا للإنسانية التي تفوق كل اعتبار.