البيت الذي أنقذ صاحبه
أحمد حسن | كاتب مصري
كلنا يعرف البيت الذى قتل صاحبه ( المتنبي) و لكن هناك بيت أنقذ صاحبه من القتل وله قصة وعبرة؛ وأصله أن ملكاً من ملوك حمير يسمى( حسان بن تبان) كان سيئ السيرة وبه شيء من جنون, جمع قومه و أراد أن يغزو بلاد العرب و الأعاجم، حتى إذا وصلوا بعضاً من أرض العراق تأذى القوم منه و ضجروا و كرهوا المسير معه و أرادوا الرجوع لبلادهم و أهلهم ، فكلموا أخاً له يدعى عمرو أن يكلم حسان في أمر الرجوع ففى أمر حسان هلاكهم جميعاً, فرفض وتمسك برأيه، فأشاروا عليه أن يقتله و يرجع بهم, إذ كان حسان شديد الحذر و لا يُدخل عليه احداً بسلاح إلا اخيه عمرو، و أجمعوا كلهم على ذلك، و أن يملكوه عليهم، وله عليهم الطاعة إلا رجلاً يدعى (ذو رعين الحميري) رفض و نهاه عن قتل أخيه وغصب ملكه؛ فإن فيها شقاءه بعدها, فأبى. فأحضر ذو رعين رقعة وكتب فيها هذا البيت:
ألا من يشتري سهراً بنوم … سعيدُ من يبيت قرير عين
فأما حمير غدرت وخانت … فمعذرة الإله لذي رعيـن
و ختمها و قال له احفظها لي عندك وديعة فأخذها عمرو ودفعها إلى خازنه، ليحتفظ بها ، فلما قتل أخاه وجلس مكانه في الملك مُنع منه النوم وسُلط عليه السهر؛ فأرسل في طلب الأطباء والكهنة والمنجمين والعرافين ثم عرض عليهم أمره وأخبرهم بقصته وشكا إليهم ما يجد . فقالوا له: ما قتل رجلُ أخاه أو ذو رحم منه إلا أصابه السهر، ومنع منه النوم و الراحة.
وحتى يبرأ مما هو فيه أشاروا عليه أن يقتل كل من أوعز له بقتل أخيه، ففعل حتى إذا وصل إلى ذي رعين، صاح به أيها الملك : إن لي براءةً مما تريد أن تصنع بي . قال الملك : وما براءتك؟ قال : مر خازنك أن يخرج الصحيفة التي استودعتكها يوم كذا . فأخرجها الخازن فنظر إليها عمرو ، ثم فضها فإذا فيها :
ألا من يشتري سهراً بنوم …. سعيد من يبيت قرير عين
فأما حمير غدرت وخانت …. فمعذرة الإله لذي رعيـن
ثم قال لعمرو: قد نهيتك عن قتل أخيك، وعلمت أنك إن فعلت أصابك الذي قد أصابك فكتبت هذين البيتين براءةً لي عندك . فعفا عنه وأحسن جائزته.