بدون مؤاخذة.. المسلم القدوة ومسلمو الدّواعش
جميل السلحوت | القدس العربية – فلسطين
من يقرأ التاريخ الإسلامي بحياديّة تامّة، سيجد أن غالبية من يدينون بالإسلام لم تصلهم إلى بلدانهم جيوش الفتح الإسلامي، مثل أندونيسيا، جنوب شرق آسيا وإفريقيا السّوداء، وإنما وصلهم الإسلام من خلال التجار المسلمين، الذين وصلوا تلك البلدان واستقرّوا فيها، وتحلّوا بالخلق الحسن والأمانة والصّدق، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وغيرها من السّلوكيّات الحميدة، فتأثّر بهم مواطنو تلك البلدان واعتنقوا الإسلام، وهذا ما لم ينتبه له “المتأسلمون الجدد” الذين يرون أن” دين محمّد قام بالسّيف”.
وإذا كان من حقّ أي إنسان أن يختار الإيمان بأيّ دين يقتنع به، إلا أن “المتأسلمين الجدد” لم يحتذوا ولم يقتدوا وحتى لم يفهموا القرآن الكريم فهما صحيحا، فالقرآن يخاطب الرّسول صلى الله عليه وسلم:” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”.
و”المتأسلمون الجدد” وللجهل الذي يسبحون في بحوره، يعملون عكس ذلك تماما، فهم ينفون الآخر ويلغونه كليا، وكل من يخالفهم الرّأي كافر دمه وعرضه وماله مباح، وحتى من يفرّ منهم إلى بلاد”الكفر” – حسب رأيهم – هربا من بلاد “الايمان”، التي لم يأمن فيها على حياته، فإن بلاد”الكفر” تقبله وتحميه وتعطيه حريته، وتتيح له العمل والكسب، إن لم تتعامل معه كلاجئ وتصرف له راتبا، لكنه يعيش متقوقعا على نفسه، لا يحترم قوانين تلك البلاد، وقد يرتكب السّبع الموبقات، معتبرا نفسه “مجاهدا ينصر الإسلام والمسلمين” بل منهم من ارتكب جرائم قتل وتفجيرات وتخريب، ظنّا منه واعتقادا بأنّه ينصر الإسلام والمسلمين.
في أوائل تسعينيات القرن الماضي نشرت وسائل الإعلام تصريحا لعالم ألماني يقول فيه” خير لي أن أسكن بجانب مفاعل نوويّ من السّكن بجوار مسلم، لأنّني أستطيع أن أعرف متى سيكون خطر الإشعاع النووي، لكنّني لا أعرف متى سيقتلني جاري المسلم!” وحينها قامت القيامة على رأس ذلك العالم، متهمينه بالعمالة للصهيونية وكراهيته للعرب والمسلمين، لكنّ أن أحدا لم يسأل نفسه عن الأسباب التي دفعت ذلك العالم لقول ما قاله.
وفي عصر “الدّمار العربي” الذي حسبه البعض ربيعا، كلنا نشاهد “المتأسلمين الجدد” من داعش وأخواتها قد عاثوا في بعض الدّول العربيّة قتلا وتدميرا وتخريبا، كسوريا والعراق وليبيا ومصر ولبنان وغيرها، وتحالفوا مع قوى امبريالية تموّلهم وتسلّحهم وتدرّبهم، دون أن يكلّفوا أنفسهم مجرّد التفكير بأهداف المموّلين من وراء ذلك! وكأنّ إسرائيل وحلف”النّاتو” معنيّون بنصرة الإسلام والمسلمين!
ويمعن “الدواعش” في تنفير المسلمين واستعداء العالم لمحاربة الإسلام والمسلمين، بأعمال يندى لها جبين الإنسانيّة، وتدلّل على وحشية وهمجيّة لا يمكن غضّ النّظر عنها، فمثلا عملية قطع رؤوس “الأسرى” وذبحهم كالأنعام، هل هذا من الدّين الإسلامي؟ وذبح جنديّ سوريّ وشقّ الذّابح لصدر ذلك الجنديّ وأكل قلبه وتصوير ذلك ونشره بفخر لبطولة ذلك السّفاح، وكذلك صلب جندي سوريّ أسير على الأرض وقطع يديه ورجليه وأعضائه التناسلية وهو حيّ وتصوير ذلك ونشره أيضا، وإحراق الطيّار الأردني معاذ الكساسبة بهذه الوحشية، فهل الإسلام هكذا؟ وهل هكذا أعمال ستقيم دولة إسلاميّة؟
وإمعانا في الجهل وعدم تمييز الأمور، فاننا نجد تبريرات لهكذا جرائم من باب المعاملة بالمثل، لأنّ من يبررونها لا يفرّقون بين قتيل في معركة، وبين قتل أسير بطريقة بشعة والتّمثيل به حيّا وميّتا.
وإذا كان الدواعش يعتمدون نظرية”الرّعب والجرأة” فهذا ضلال مبين، لأنّهم يخالفون قواعد الحرب في الإسلام الذين يزعمون أنهم يدافعون عنه، ويريدون نصرته، وهل نصرة الإسلام بالقدوة الحسنة أم بالإجرام والتمثيل بالأحياء والأموات؟