بدون مؤاخذة.. داعش وليدة الانغلاق الفكري
جميل السلحوت | القدس العربية المحتلة
من خلال مطالعاتي لكتب “دينية” ومشاهداتي لبعض الفضائيات الدينية ذهلت مما قرأت وسمعت، وأصبحت على قناعة بأن الجهل السائد واستغلال الدين بجهل هو واحد من أساسات هزائمنا وتخلفنا. وقناعتي أكبر بأن الأنظمة العربية والاسلامية ليست وحدها صانعة هزائم الأمّة، بل هناك دور كبير و”طليعي”لمن يعتبرون أنفسهم “علماء الأمّة” من أصحاب العمائم واللحى. واذا كنا نؤمن بأن الاسلام دين الحق ويصلح لكل زمان ومكان، فلماذا يجري تجميد العلوم الدينية وتحجيرها في مرحلة تزيد عن ألف عام مضت؟ ولماذا لا تتم إعادة تفسير القرآن الكريم بما يتناسب والعلوم الحديثة؟ وهل صحيح أن القرآن الكريم يحوي العلوم جميعها؟ وهل يفرق أصحاب هذا الزعم بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية؟ وهل يستطيعون على سبيل المثال استخراج قوانين السّير من القرآن؟ أو معرفة قانون الجاذبية من القرآن؟ وأنا لا أناقش هنا قضية العلوم الشرعية فهي موجودة في القرآن الكريم وفي السّنّة النبوية، لكنني أتساءل هنا عن العلوم الدنيوية؟ فهل تساءل أصحاب العمائم واللحى عن مدى مساهمة المسلمين في العلوم والاكتشافات العلمية والصناعية الحديثة؟ ولماذا برع فيها” الكفار” دون “المؤمنين”؟ وهل يعلمون أن “الكفار في الغرب الكافر” يعيشون أوضاعا اقتصادية تفوق كثيرا قرينتها في دول “الايمان”؟ وهل تساءلوا عن أسباب ذلك؟
واذا كان الغرب “كافرا” فلماذا يهاجر “مؤمنونا” اليه؟ وما الذي يدفعهم الى ذلك؟ ولماذا يوفر الغرب” الكافر والمنحل” ملجأ آمنا “لمؤمنينا” الهاربين من “جنات عدالتنا”؟ وهل نحن أصحاب أخلاق حميدة وغيرنا منحلون سيئو الأخلاق؟ واذا كان ذلك كذلك فلماذا يسودون الأمم؟ ولماذا أصبحنا تابعين لهم؟ وهل النساء ناقصات عقل ودين؟ واذا كن كذلك فلماذا هُزم أصحاب العقول أشاوس العربان أمام جولدة مائير؟ وهل كانت مارجليت تاتشر وأنديرا غاندي وبنازير بوتو وهيلاري كلنتون وغيرهن كثيرات بلا عقل وبلا دين؟
وهل تاريخنا العربي الاسلامي المكتوب تاريخ حكام أم تاريخ شعوب؟ ولماذا جرى الكذب في كتابة تاريخنا؟ وهل تساءلنا عن أسباب الاقتتال الداخلي بيننا بدءا من مقتل الخليفة عثمان بن عفان مرورا بمعركة الجمل ومقتل الامام عليّ وولديه الحسن والحسين سبطي الرسول عليه وعليهم الصلاة والسلام، وليس انتهاء بالاقتتال الاجرامي الدائر في سوريا والعراق وليبيا والصومال وغيرها؟
ومن يملك مفاتيح الغيب ومفاتيح الجنة والنار عندما أفتى بأنّ قتلى الفريقين في الجنة؟ ومن أفتى بالكذب وتزييف التاريخ؟ ولن نعود كثيرا الى الوراء لكننا نتساءل عمّن كتب تاريخا زائفا ليتعلمه أبناؤنا في المدارس والجامعات بأن العثمانيين لم يسهلوا هجرة اليهود الى فلسطين لاقامة وطن قومي لهم فيها؟ علما أن الوثائق العثمانية نفسها تقول عكس ما نقول!
وبما أننا” أصحاب عقيدة ومبادئ” فلماذا جرى ويجري استغلالنا لنحقق أهداف أعدائنا بدمنا وأموالنا؟ وكيف استغلت الدول الغربية الاسلام السياسي لمحاربة السوفييت واثارة الفتن بين المسلمين أنفسهم؟ ولماذا يحرّم بعض “علمائنا” أمورا، ثمّ لا يلبثون أن يحلّلوها؟ ألهذا الحدّ توجد”متشابهات” بين الحلال والحرام؟ ولماذا كلّ هذا القتل والاقتتال الداخلي بين”المؤمنين”؟ ولماذا يفتي البعض بالاقتتال الداخلي وينسى قتال الأعداء؟ ومن يحرض على قتل واستعداء المواطنين العرب غير المسلمين والمواطنين من الأقليات القومية الأخرى؟ ولمصلحة من هذا؟ وهل “القاعدة” و”داعش” وغيرها سقطت علينا من السماء؟ أو هل هي قدر إلهي؟ أم هي امتداد “لفقر الفكر وفكر الفقر”؟ وهل تساءلنا عن أسباب تنظيمات التطرف “الاسلامي” التي تجعلها تحصر حربها”الجهادية” في دائرة بلاد العرب والمسلمين وعلى شعوبهم؟ وهل الله-سبحانه وتعالى- هو من سخّر أمريكا وحلف الناتو لاحتلال العراق وتدميره وقتل شعبه لنصرة الاسلام والمسلمين؟ وهل الله هو من سخّر أمريكا وفرنسا والناتو لتدمير ليبيا وإثارة الفتنة فيها لنصرة الاسلام والمسلمين أيضا؟ وهل الله -جلّت قدرته- هو من سخّر أمريكا وحلفاءها لدعم الاسلام السياسي لتدمير سوريا وقتل شعبها؟ وهل الله -الغني المقتدر- سخّر مال البترول العربي لتمويل من يدمرون بلاد العربان والمسلمين وقتل شعوبها؟ وهل استهداف الجيش المصري والمنشآت المصرية نصر للاسلام والمسلمين؟ وغير ذلك كثير.
وإذا ما فكرنا باجابات عقلانية وايمانية صحيحة على هذه التساؤلات فربما نسير على الطريق الصحيح.