سيبقى شغف القلب يحوم حول نون اليقين.. الهجرة إلى الإنسانية
د. سامي محمود إبراهيم رئيس قسم الفلسفة/ كلية الآداب/ جامعة الموصل/ العراق
الحياة هي الفترة التي يعيشها الإنسان، لذلك يجب أن نعيشها ونحن سعداء وراضون عن أنفسنا، وأن نبتعد عن الحزن والألم؛ لأن الحياة قصيرة والجميع راحلون.
لنعش الحياة كل يوم كما لو كنا نتسلق جبلا، وإن نظرة من حين لآخر باتجاه القمة كفيلة بأن تجعلنا محتفظين ببوصلة وجودنا والنجاة، إلا أنه سيظل أمامنا الكثير من المناظر الجميلة والحزينة معا لنتأملها من كل نقطة وصول أثناء الصعود نحو الخلاص. نتسلق ببطء وبثبات مستمتعين بكل لحظة تمر علينا، وهذا سيكون ذروة الإثارة في تلك الرحلة..
خاصة ان الحياة تبدو أقصر بكثير من أن تنفق في تنمية البغضاء، وتسجيل الأخطاء وإشاعة الحروب والكوارث. وهل العيد إلا أن نستمتع ولو بنعمة واحدة من نعم الوجود التي تفوق العد والإحصاء؟
إن نظرة واحدة بعين التفاؤل والرضى إلى الوجود، ترينا أن الجمال شائعا في كل ذراته.
إذن فالطريق نحو عالم متصالح جديد، يغدو عالما لفن العيش الكريم، يقتضي نحت هذا المسار نحو إنسان المستقبل. فابتكار الوجود، ينبني على قدرة كل ذات على العطاء وفق إمكانياتها الخاصة في المساهمة في تأسيس أفق جديد للحياة.
ايها الإنسان: أنت وحدك من ترسم طريقك في الحياة، وأنت من تبني أساس السعادة الدائمة أو الحزن المؤلم، فإنك إذا نظرت بعين متفائلة ستفتح أمامك سبل النجاح والتقدم، لهذا اجعل لنفسك هدف وارسم على شفتيك ابتسامة وازرع بداخلك شعورا بأن الحياة جميلة لتنعم بالأفضل، فأنت وحدك من يحدد حياتك ويزرع الخير في طريق الاخرين.
إلى هذا الحد أقول: السلام لا يعني غياب الصراعات, فالاختلاف سيستمر حتما في هذا الوجود .. السلام يعني أن نحل هذه الاختلافات بوسائل سلمية عن طريق الحوار والعيش الإنساني المشترك.
خاصة أن لحظة وجودنا هي تجربة مفعمة بالمعاناة في مسيرة عبورنا نهر الحياة، الذي نقطعه ونحن نحمل أثقال وجودنا على اكتافنا إلى أن نصل جزيرة الأمل المفقودة في أبدية جميلة متصلة بكل معاني الوجود.
وكأن روح الحياة وجمالها قد اختزلت في حكمة تعطي الزهد اقصى معانيه.. معاني تفجر لدينا الاحساس بالتفاؤل برغم التشرب البطيء للمأساة التي نعانيها.. وفي رحلة البحث عن الذات نقطع المسافات فبيننا وبين السعادة صحاري مجهولة، وهواجس لا تنتهي.
خاصة أن الوجود المشروط.. غياب، ومساحة الصبر قليلة تنتهي بحرف وعلى حافة جرف.. بعدها يعلن الوداع إلى غياب بنكهة الحضور. ولا زلنا تلامذة في مدرسة الدنيا نتعلم أبجديات الحياة وأسماء الواقع وجدول الضمير وكيمياء السعادة وفيزياء الوجود.
ففي فقه الواقع الصمت أبلغ من الكلام، وها هي جملة شوقنا لا تنطق فنحن سكوت والهوى يتكلم.
أجوبة ممزقة لأسئلة المستقبل المفتوح. هناك في غوره العميق سنتصالح مع وجهنا المفقود، وهذا هو العرفان الذي يتوجب علينا تحمله بخفة الوجدان لا بثقل الأبدان. مع ذلك لن ينتهي شغف القلب، سيبقى يحوم حول نون اليقين. هذه قصتنا نحن بني البشر، نشكلها إنسان عبر الزمن ونحن نعبر نهر الحياة في أبدية متصلة لا تنطق كلماتنا في غورها إلا همسا.
أربكتنا تضاريس العمر، لهذا يبدو أننا لا نكتمل إلا بسنين القدر ولا يوجد شيء يساوي وصف الحياة. تلك التي يصمت عندها كل لسان، والبوح لن يغير المعنى. ففي الوقت الذي سنحصل فيه على الأجوبة ستكون الأسئلة قد تغيرت، وسننهيها محاولين الهرب من كل ما فهمنا.