negative و positive

عليّ جبّار عطيّة | رئيس تحرير جريدة (أوروك) العراقية
أول شهادة يحصل الإنسان عليها بعد الصرخة الأولى هي شهادة ولادته، وهو لا يعلم شيئاً، وآخر شهادة لا يعرف عنها شيئاً هي شهادة وفاته؛ فالموت هو التجربة الأولى، والأخيرة غير القابلة للتكرار! وما بينهما عشرات الشهادات من شهادة التلقيح ضد الجدري إلى شهادة الجنسية، وشهادة حسن السير والسلوك، وشهادة السواقة، إلى الشهادة بأنَّه عاقلٌ من مستشفى الأمراض النفسية والعصبية؛ فالخارج من مستشفى المجانين ـ كما يقال ـ هو الشخص الوحيد الذي يمتلك شهادةً تثبت أنَّه عاقلٌ !
عشرات الشهادات ترافق الإنسان من المهد إلى اللحد يحصل على بعضها بشق الأنفس، والتحصيل الأكاديمي كشهادة الدكتوراه، وقد تأتيه الشهادة تقديراً لجهوده في المجال الأدبي أو الفني الذي برع فيه كشهادة الدكتوراه الفخرية (من دون مخصصات جامعية طبعاً!)، وقد تأتيه الشهادة من غير كدٍ كشهادة أم العروس على ابنتها بأنَّها كالغزالٌ !
بعض الشهادات تكون مطبوعةً، وبعضها تكون ملفوظةً، وهناك من يمهِّد لمدحك بقوله (شهادتي فيكَ مجروحةٌ)!! ولا أدري ما قيمة الشهادة المجروحة؟ وهناك شهادةٌ شاعريةٌ ليست لها أهمية تذكر في الميزان الاجتماعي لكنَّ لها أهمية في الميزان الشعري، ومن ذلك قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ
فهي الشهادة لي بأنَّي كاملٌ !
وهناك شهادةٌ عفويةٌ تأتيك من صاحب المولدة الكهربائية ترفع روحك المعنوية حين يقول لك: إنَّك مشتركٌ جيدٌ ؛ لأنَّك تدفع أجور الاشتراك رأس الشهر قبل كل المشتركين !
وبعضهم حُرم من كل الشهادات لكنَّه يفتخر بحصوله على أعظم شهادة الا وهي شهادة (لا إله إلا الله)!
لكنَّ أغرب الشهادات التي صارت لها قيمةٌ كبرى في عصر الجوائح هي شهادة خلو الشخص من فايروس كورونا ( كوفيد ـ ١٩) ويعبر عن النتيجة بـ(negative)؛ أي أنَّ النتيجة سالبة والشخص سليمٌ حسب الفحوصات الطبية، وهناك من احتفى بهذه الشهادة المختبرية أكثر من احتفائه بشهادة تخرجه الجامعية، وعدها شهادة نجاةٍ، وبراءة من الاتهام بعدم مراعاة إجراءات الوقاية الصحية، وتقابلها شهادة الـ (positive) أي أنَّ النتيجة إيجابية، وتعني وجود إصابة بالفيروس، ويدخل الملامسون للمصاب بحالة إنذار، ويجرون فحوصاتٍ مختبريةً لحين ظهور النتائج.
لقد كشفت الجائحة عيوب عددٍ من الأنظمة على رأسها النظام الصحي، والنظام الغذائي، والنظام الاداري، والنظام السياسي، والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، والنظام الأخلاقي، ويُمكن القول: إنَّ جائحة كورونا دقت ناقوس الخطر في آذان البشر ليروا مديات التخريب الذي وصلنا إليه، وهي اختبارٌ حقيقيٌّ لمستوى العلاقات الإنسانية، فضلاً عن أنَّها عكست مقدار وعي الشعوب وثقافتهم، وتحضرهم، وأعطت شهادة ميلادٍ لعصرٍ مكممٍ !

……..
المقال منشور أيضا في جريدة (أوروك) الورقية العدد ١٧ الصادر يوم الثلاثاء الموافق ٢٠٢٠/٩/٢٩ م ص ١٢

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى