سجون بنيناها بأحجار عقولنا.!
محمود محمد زيتون
السجن ليس سياجٱ وأسوارٱ.. السجن قد يكون فكرٱ.. شخصٱ.. عملٱ.. مكانٱ.. زوجٱ.!
أسوأ أنواع السجون سجن الأفكار. فما أتعس حياة الذين يسجنون أنفسهم داخل فكرة.!
السجن يحاصرنا.. ويسحب منا حق الحرية.. إنه يصادر حرياتنا باختيارنا ثم نتعود على ذلك!
نسجن أنفسنا في الندم.. من خطأ ارتكبناه أو من صديق ألفناه أو من طريق سلكناه أو من عطاء بذلناه.!
نسجن أنفسنا في الخوف.. الخوف من التغيير والإرتقاء فنظل أسارى القديم الذي عفا عليه الزمن وأكل عليه الدهر وشرب.!
نسجن أنفسنا في تكرار نفس العادات في الزواج.. إسرافٱ وسفهٱ وعشوائية في الاختيار.!
ومن أجمل ما قرأت عن إبراهيم بن أدهم الذي عرف كيف يتحرر من سطوة الرغبة في الامتلاك والاقتناء إذا صعب عليه ذلك فقال: (إذا غلا شيء علي تركته فيكون أرخص ما يكون إذا غلا)
ويقول الشاعر: (لقد كان القريض سمير قلبي فألهتني القروض عن القريض).
وفي الثمانينات من القرن الماضي صدر كتاب هز العالم للروائيةالبريطانية «دوريس ليسنج» تحت عنوان: «سجون نختارأن نحيا فيها» تطالب فيه الروائية- التي حصلت على جائزة نوبل في الآداب- الإنسان بعدم الاستسلام للعقل الجمعي الذي يهيمن عليه بأن يتحلى بالحياد والنظرة الحرة في رؤية الحياة بدلٱ من سجن النفس في التقليد الأعمى. وقالت: (إن العالم من حولنا يزداد غرقٱ..تلوثٱ..تفككٱ..ووباء.!)
وتتساءل: إلى أي مدى يهيمن علينا ماضينا بعاداته ورتابته كأفراد وجماعات ولا نستطيع أن نحرر أنفسنا من قضبان هذا الإرث المكبل للطاقات المهدر للإبداع.؟!.
وتنتقد الروائية البريطانيةالنوبلية العقل الجمعي الغربي ساخرة من وصف المجتمعات الغربية «بالعالم الحر».!
بينما واقع الأمر أن الفرد الغربي الذي يتوهم أنه حر يخضع دائمٱ لضغط مادي، وتعصب طبقي وتقول: «إن من أشق الأمور في الدنيا أن يكون لك رأي فردي مخالف لرأي المجتمع».!
إنها سجون إرادية تجعلنا عاجزين عن الرؤية الثاقبة، وعن الفهم السليم وتجعلنا نعتاد على ذلك.. نحن نسجن أنفسنا فيما نعرف، ونخاف مما نجهل، وهكذا تتراكم حولنا جدران السجون.. سجون بنيناها بأحجار عقولنا.!
هوامش:
(١) دوريس ليسنج: كاتبة وروائية بريطانية حازت على جائزة نوبل للآداب عام ٢٠٠٧ ولدت في ١٩١٩ وتوفيت في عام ٢٠١٣