أيها القراء؛ فضلا: نقد المكتوب لا نقد الكاتب

محمد القليصي | كاتب صحافي – اليمن

غالبا ما يحدث سوء فهم بين المتلقي والمرسل بين القارئ والكاتب. والعقلاء الحكماء من الكتاب يحسنون التصرف في مثل هكذا مواقف لأنهم يدركون السبب الذي يقود الكثيرين من القراء إلى الوقوع في شرك سوء الفهم.

أستطيع القول بأن هذه المعضلة التي تحول بين الكاتب وقرائه هي “الانحيازية” بمعنى أن يكون القارئ منحازا لفكرة معينة أو لمنهج معين أو حتى لتربيته وثقافته التي ومجتمعه الذي نشأ فيه فكريا وجسديا.

والتخلص من ثقافة المجتمع وتربية الأسرة قد يكون صعبا وليس مستحيلا . ومن هنا فإنني لا أدعو الأفراد إلى أن يقوموا بتغيير ثقافتهم أو تربيتهم ولكني أود أن يراجعوا تصرفاتهم وسلوكياتهم التي تحمل الكثير من التناقض وعدم الوضوح.

المؤسف حقا أن الكثيرين يخيل إليهم أن ما يحملوه من ثقافة وتربية هي جزء من الإسلام وهذا خطأ كبير ووهم قاتل فالبعض لا يسمح لك أن تناقشه في بعض الأمور لأنه توهّم أن ذلك تجرؤ على الإسلام والدين.

والحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها أن الكثير مما نتلقاه من المجتمع وتتكون عليه ثقافتنا هو مخالف للإسلام في جوهره ومضمونه. كما إن “العادات التي نمارسها بشكل دوري تؤدي إلى التأثير في شخصيتنا ووجهة نظرنا للأشياء وتؤثر في احكامنا عليها”. بمعنى آخر فهذا الكلام يعني أن كل إنسان ينظر للقضايا والمشكلات من زاويتِهِ.

وذات يوم كتبت على صفحتي في الفيسبوك” الخير حالة شاذة في هذا العالم, فمن أين سيأتي ونحن أبناء القاتل قابيل.” فعلَّق أحدهم وهو دارس للشريعة الإسلامية بالسعودية: “الخير هو الفعل الذي يقوم به الإنسان المسلم ويجازيه الله عليه”.

وأنا في مقولتي تلك لا أتحدث عن جماعة معينة أو عن أفراد محددين كالمسلمين وغيرهم أو عن فترة زمنية مقصودة؛ بل كنت أتحدث عن نظرية اجتماعية ملازمة للوجود البشري.

وما أردت أن أقوله هنا: أن الدارس للدين ينظر للأمور من زاوية الدين، وعالم النفس ينظر للأشياء المحيطة من زاوية نفسية بحتة، وكذلك علماء الاجتماع والفلسفة والسياسة. كلٌّ له منظاره وزاويته.

وذات مرة كنت في حوار فني مع أحد الأشخاص المهتمين بهذا المجال فلا أدري كيف خطر على بالي فجأة هذا البيت الشعري “

وإنما الناس بالملوك,،، وما تفلح عرب ملوكها عجم

لا أدب عندهم ولا حسب،،، ولا عهود لهم ولا ذمم

بكل أرض وطئتها،،، أمم ترعى لعبد كأنها غنم

فقال لي: لمن هذا الأبيات؟

فأجبته: إنها للمتنبي.

فسألني: هل هذا اسمه أم لقبه؟

فأجبته: هذا لقبه.

فقال لي: لماذا لُقِّبَ بهذا اللقب؟

فأجبته: قِيل ادّعى النبوة – حسب ماتلقيناه في مدارسنا –

فقال لي: هل تقصد نبوءة الشعر؟

فصمت برهة, وأطلقت العنان لخيالي وتسألت نفسي كيف لم يخطر على بالي بأن لقبه المتنبي يقصد به نبوة الشعر، وليست النبوة المعروفة في كتب التراث الديني. فحينئذ تجلّت لي هذه الحقيقة أن مانتلقاه في حياتنا من معلومات تشغلنا عن إعمال عقولنا أو بالأحرى تُبلِّد عقولنا المنهكة.

ختاما, التغلب على هذه المشكلة سهل وبسيط وهو القراءة بموضوعية وبإفراغ تام لمحتوى العقل ومايحويه من أفكار واستنتاجات وتحليلات سابقة.

والقارئ الحصيف دائما ما يؤمن بأن الحقيقة ليست كلها في أفكاره التي يحملها ومن الضروري إذن أن نطلع على ما يكتبه الآخرون فالحقيقة لن يملكها شخص واحد على الإطلاق؛ فجزء منها معك وجزء كبير منها مع الآخرين.

وإذا اتضح بعد قراءتنا – بموضوعية وشفافية – ما يكتبه الآخرون ولم تتضح لنا وجهة نظرهم وأردنا أن ننتقد فإنه من الضروري جدا أن نقوم بنقد ما كُتِبَ لا نقد الكاتب، وغالبا الكثيرون من القراء جيدون يعون ويفهمون وأيضا يعملون بهذه النقطة الحساسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى