مفاهيم ومصطلحات استعمارية.. داعش وتساؤلات التسمية (5)

إبراهيم الهمداني | باحث وشاعر يمني

هل قام تنظيم داعش – بوصفه كيانا سياسيا – باختيار هذا الاسم بنفسه للدلالة عليه، باعتباره حاملا معرفيا (أبستمولوجيا)يختزل أيديولوجيته ورؤيته وموقفه بشكل عام؟ أم أنه ألقي عليه وأُلزم به دون اعتبار لموافقته أو مشورته؟!

سبق وأن قدمنا الإجابة على الشق الأول من السؤال بالنفي القاطع في المقال السابق، نظرا لمخالفة ذلك لمنطق العقل ومبادئ الفطرة السوية، فحتى المجرم – وهو كذلك – يرفض ان ينادى بهذا الوصف، ناهيك عن أن يطلقه هو على نفسه، ويظل يلتمس لنفسه المبررات الشاهدة على خلو ساحته من من الإجرام، رغم اعترافه الصريح بأنه ارتكب الجريمة فعلا، معللا ذلك بأن ارتكاب الجريمة لا يعني بالضرورة كونك مجرما، واذا كان القتل جريمة في التوصيف القانوني باتفاق الجميع، فإن القيام بالفعل ذاته لا يعني انك اصبحت مجرما، قد تكون مدانا باقتراف الفعل ذاته، لكنك لن تكون مجرما، نظرا لما تحمله من الدوافع والمبررات والملابسات والأدلة التي تثبت ذلك.

ربما كانت هذه الفلسفة صالحة لتبرير موقف هؤلاء في حال كونهم اختاروا تلك التسمية للدلالة عليهم، بمطلق رغبتهم وحريتهم ووعيهم الكامل، رغم ان تفكيرهم السطحي وعقم عقولهم المنغلقة على التقليد والتبعية المطلقة، يجعلهم أبعد ما يكونون عن المنطق الفلسفي والتفكير العميق، وفي هذه الحال يمكننا القول:إن هؤلاء المتطرفين لا يمكن أن يكونوا أصحاب مشروع ذاتي ورؤية خاصة بهم، وايديولوجيا تعبر عنهم، وانما هي منسوبة إليهم مملاة عليهم، وهي على ما فيها من التطرف والعداء المطلق للعربي المسلم قبل المخالف هوية وعقيدة، ومادامت هذه حالهم فهم حسب الفلسفة السابقة، مدانون وليسوا مجرمين، ما يعني أن ذلك الفكر المتطرف بحاجة الى احتواء ومناقشة ودحض الحجة بالحجة والتنوير الفكري.

وفي حال كانت الإجابة على الشق الثاني من السؤال بالإيجاب، فهم بين أمرين أحلاهما مرُّ.

– إما أن يكونوا على جهل تام بمعنى التسمية، وحقيقة الصفات والفعال التي تخلعها عليهم كالقتل والإرهاب والتطرف، وأنهم مشروع موت ودمار شامل لا يستثني أحدا، وبهذا نعرف أنهم كفكرهم المتطرف وتسميتهم العرجاء، نبت طارئ ودخيل على البيئة العربية والفكر الإسلامي، وفي هذه الحال لا تكفي الرصاصة وحدها لمواجهة ذلك الموت القادم باسم الدين، والقتل المتوج باسم الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، بل يجب عمل الندوات والنقاشات والبحوث والدراسات، التي تتناول هذا الفكر المنحرف المنسوب إلى الاسلام زورا، والتحقيق من أين تم استجلاب عناصره وقياداته ومن يقف وراءهم وما هي مخططاتهم، إضافة إلى التركيز على دور أمريكا في سلبهم حقهم الوجودي وجعلهم ضحايا على مذبح مصالحها واطماعها.

– وإما أن يكونوا على معرفة بأبعاد ودلالات تلك التسمية المفروضة عليهم رغما عنهم، مقابل تمكينهم – أو إيهامهم بتمكينهم – من إقامة دولة وكيان سياسي خاص بهم، وبالتالي فهم يعون حقيقة دورهم التدميري في المنطقة العربية، وأنهم ليسوا أكثر من أداة بيد أمريكا لتنفيذ مصالحها وتوسيع هيمنتها ونفوذها، ثم لا تلبث أن تستغني عنهم – كما هو حاصل الآن – وكما سعت من قبل للتخلص من أسلافهم تنظيم القاعدة، وها هي تعيد إنتاج ذات الفكر والتنظيم المتطرف، تحت مسمى داعش، جاعلة منه سرطانا متنقلا من أفغانستان إلى العراق وسوريا وصولا إلى اليمن، حيث يقوم تحالف العدوان بزعامة السعودية ورعاية ومساعدة أمريكا وإسرائيل بإخراج الدواعش من العراق وسوريا، وإرسالهم إلى اليمن ليقوموا بدور أكثر فاعلية، بعد أن عجز المرتزقة من أهل البلاد عن القيام بالدور المطلوب.

وهنا يجب تسليط الضوء على الدور الأمريكي في صناعة التطرف والإرهاب، ومن ثمَّ اتخاذه ذريعة لتدخلاتها المباشرة وتنفيذ مشاريعها الاستعمارية، لخدمة الكيان الصهيوني الغاصب، وإشعال المنطقة بالصراعات والحروب.

وفي كل الأحوال لا تعدو تلك التنظيمات الدينية المتطرفة المتعاقبة، إلا إحدى إفرازات مذهب الجبر اليهودي الأصل، حيث قام فقهاء السلطان وعلماء السوء بعملية إسقاط لمبادئ هذا المذهب المنحرف ومفاهيمه وأسسه، على الواقع الإسلامي والموروث الديني، وأتى محمد ابن عبد الوهاب والفكر الوهابي تتويجا لمسيرة التطرف والهدم، تحت مسمى إحياء معالم الدين، جاعلا من مقولات مذهب الجبر اليهودي أولى مدخلاته وأهم مرتكزاته وأسسه، التي بنى عليها مشروعه الهدام للإسلام والمسلمين، وقد تبنت وتولت رعاية هذا الفكر المتطرف مملكة آل سعود، مسخرة كل إمكاناتها وثرواتها لنشره وتعميمه على جميع أقطار المعمورة، ليس بوصفه المذهب الرسمي للدولة؛ بل بوصفه الصورة الحقيقية الوحيدة للدين الإسلامي والمجتمع المسلم، وإن ما سواه من المذاهب ليس إلا خروجا عن روح الإسلام وحقيقته، رغم أن هذا المذهب الطارئ ليس من المذاهب الأربعة ولا يمثلها، وبهذا ندرك أن هذا الفكر المتطرف بجماعاته وتنظيماته، ليس إلا صورة من مخرجات الفكر الوهابي القائم على مذهب الجبر والموروث الديني اليهودي، الذي تم تضمينه في كتب الحديث والفقه والتفسير والسيرة النبوية والموروث الإسلامي عامة، وأن مواجهة ذلك الفكر المتطرف تقتضي تجفيف منابعه الفكرية والمالية، وإعادة الاعتبار للموروث الديني وتنقيحه من الشوائب الدخيلة عليه، وكشف وتعرية الفكر الوهابي المتطرف، والحد من ممارسة الاغتيال الفكري بحق الأجيال، فإذا كانت القنبلة النووية تقتل الناس والحياة لعشرات السنين، فإن الفكر الخاطئ يقتل الحياة والعقل لمئات السنين، وإذا كانت أمريكا تجيد استغلال الجماعات المتطرفة والحمقى، فعلينا أن ندرك خطورة أن تكون مرجعية ذلك التطرف منسوبة إلى الدين الإسلامي، وخطورة أن تكون السعودية – بمكانتها الدينية – الراعي الرسمي لذلك التطرف والمروجة له تحت مسمى الدين الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى