معالي المثقف (9)

الشاعر أشرف حشيش / فلسطين

معالي المثقف!

تتسابق الأممُ والشعوبُ والدولُ في إظهار مكنون الأخلاق الذي يشرفها ، ويرفع قدرها ومكانتها ؛لقناعتها أن الرفعة المادية لا تكفي في إحراز الفوز الشامل الذي تنشده في حلبة الصراع ، فالحضارة دون أخلاق أهلها مجرد عمارات وبنايات غير مؤثثة ، وكل شقة يؤثثها أهلها بأخلاقهم النابعة من داخلهم.

ولا يستطيع شعب من الشعوب أن يدعي تفوقا أخلاقيا من خلال مشهد هادئ في الشارع ، أو تصوير إعلامي في الحافلة ، أو مساعدة عجوز في الوصول إلى بيته ، أو من خلال انضباط في الطابور ، أو من خلال سلوك منضبط في مؤسسة ما.

نعم ، الطالب في السويد معه مفتاح يمكنه من فتح غرف المدرسة بما فيها المختبرات والحواسيب والمكتبات وغرفة الإدارة ، وما حصل أن اختلس قلما من المدرسة ، وهذا بلا شك يدل على خلق عال ، لكنه تبين فيما بعد أن كل طالب يحمل مفتاحا له بصمة خاصة به، ومن السهولة أن يكتشفوا أمره لو تصرف تصرفا مغلوطا ، فكان مرغما بالانضباط ، ولم يكن انضباطه بدافع أخلاقي نابع منه. أضف إلى ذلك أن توفير الخدمات المؤسساتية ، وجعلها في متناول أيدي الجميع برخص وسهولة وصلت بهم حد الإشباع ، فغضوا الطرف عن موضوع اختلاسها.

معالي المثقف! 

فرق بين الأخلاق التي فرضت بقوة القانون فأصبحت مع الزمن سلوكا تقليديا ، وبين الأخلاق النابعة من النفس يتممها ويهذبها ويحافظ على استمراريتها الدين.

لماذا تحاول أن تظهر إفلاس أمتك من الأخلاق ، وتنسبها للدول التي تفتقر لجوهرها؟!

وقد رأينا أخلاقياتهم عند اختبارات( الكورونا)؛ إذ كشفت الشوارع عن سيول متدفقة من اللصوص الذين انتشروا كالجراد ينهبون ويدمرون ، ورأينا الأخلاقيات العالية في ممارسة وظيفة قطاع الطرق في اختطاف الطائرات والسفن . ورأينا الأخلاقيات في نهب ثروات الشعوب .

معالي المثقف!

يقول شوقي وإذا أصيب الناس في أخلاقهم = فأقم عليهم مأتما وعويلا

إن هذه الدول التي تصفق لها والتي نحترمها في جوانب كثيرة ، ليست هي كعبة الأخلاق ومرآتها التي نحاجج بها ، فتعال وتفرج على انتشار الجريمة واحتكار الأدوية ، واستخدام البشر كفئران المختبرات ، وإذا انطلت الدعاية عليك فهي لا تنطلي على من ينظر للمشهد من زواياه المتعددة.

معالي المثقف الأخلاق يتممها الدين التي ظهرت في تصرف عثمان بن عفان ، إذ رفض أن ينتهز حاجة الناس للقمح ،وهو الوحيد الذي يمتلكه فقدمه للناس دون مقابل ، في حين ان الدول التي تتبوأ هرم الأخلاق اليوم تلقي القمح في البحر لتحافظ على ثمنه واحتكاره فأين هي الأخلاقيات؟!

ولو كان عثمان ينتمي للأمة التي تتغنى بها لجعلوا منه أسطورة، وكتبوا فيه الروايات وعرضوا عنه المسلسلات ..الخ

معالي المثقف لا تركب غرور وهمك وتبرئ الدين من الأخلاق ، لتدعيها في الإلحاد !!

الصدق والأمانة والعفة والصفح وكل القيم التي نادت بها الأديان وأغمضت عينك عنها كل هذه القيم مفاتيح لجنة الأخلاق في الدين (سلمان منا آل البيت ) (لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى).

والأخلاق هناك ( يمنع اصطحاب الكلاب والسود إلى الداخل).

ستدرك حين تستجوب نفسك في محكمة الضمير أن غرورك غرر بك وشهدت زورا ضدك وضد أمتك وأخلاقها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى